الكون دائرة من رمل، قال الولد الذي يتبع الرجل: ستمطر! يسيران على حافة الإسفلت المتوهج، تتحول السماء إلى اللون المعدني، قال الرجل: إنه الغبار. بين لحظة وأخرى كانا يتوقفان، يمسحان العرق في ثوبيهما، ثم يتابعان جر الخطو. قال الولد: الغبار يشبه السحاب. قال الرجل: السحاب لا يشبه الغبار. الآن يقطعان الإسفلت نحو المنحدر، يحاذران تفلت العربات العابرة، ثم يواصلان السير على حافة الإسفلت الأخرى، دون أن ينزلقا نحو الأرض الرملية. قال الولد: لماذا لا يشبه السحاب الغبار؟ قال الرجل: لا يشبهه، ثم رفع رأسه نحو السماء القاتمة. توقف الرجل، أخرج علبة السجائر، قدحت الشعلة في قبضته اليسرى، نار وغبار، ثم واصلا سيرهما. قال الولد: لم يتوقف أحد. - لن يتوقفوا. احتقنت السماء، تنز قيحًا من رمل، وامتد الإسفلت، تضيع نهايته في عينيهما القاتمتين، كانت تخرج العربات أمامهما فجأة، من عمق الغبار، متوثبة ونافرة، صفعة من صوت تهز جسديهما. والكون دائرة ضيقة، من غبار، من فحيح. قال الولد: لا ستر، لا شجرة ولا جدار. - لا شيء. قال الرجل، ثم ألقى عقب سيجارته يجران الخطو، تمطر السماء رملًا، تصهل العربات، تجلد وجه الإسفلت - من أين يشترون عرباتهم؟ قال الولد - يشترونها. في عتمة الرمل يحط غراب، يقف الولد ويتابع الرجل سيره، يلتفت: هيا. سار الولد، الغراب يستقر فوق تل الرمل القريب، في العجاج، في الفحيح، يبدو وكأنه يبحث عن ماء، عن هواء، يفكر، يتدبر أمره. قال الولد: ليتني غراب - قبيحة هذه الكائنات. - لا ليست قبيحة. - تستطيع أن تطير! أضاف الولد. يسيران، يغيب الغراب والتل، تدخل صندقة في دائرة الكون المخنوقة، في الرمل تنغمس، خلفها سياج حديدي متهالك، داخله جمل، وداخله حوار. ينحدر الرجل نحو الرمل، ينحدر الولد. لا باب للصندقة يقرع، لا راعي هناك ولا ماء. عادا نحو الإسفلت صاعدين، يتسلقان السراب، الوهم، والكون دائرة، قبر من غبار، من فحيح. قال الولد: لابد أن يقف أحدهم! - لن يقف أحد. - لنحاول. عجاج وغبار وتلويحات، كون مخنوق، وتلويحات وغبار، والكون فحيح، دائرة وقبر. سارا، نحو الوهم، الخطو سلسلة ثقيلة. قال الولد: تعبت . - سنسير. - تعبت. قال الولد. - سنسير. كانا يسيران، في القبر يسيران، في العجاج، في الغبار، يسيران ... الرجل والولد... الجمل والحوار!