(1)..صمود وأنا أعود إلى قاهرة(مابعد الثورة) مجددا في رحلة سريعة أواخر الأسبوع المنصرم..أتنقل في شوارعها العريقة,وأدهش من ذلك المجتمع الذي ظل بلا حكومة لفترة حرجة,ثم تعاقب عليه في سنة واحدة(لم تنته)أربع حكومات,وأحداث جسام(تقصم الظهر)ومع ذلك أجده متماسكا مطمئنا متفائلا بغد أكثر إشراقا,حتى الميادين التي جرت فيها الأحداث التاريخية ظلت صامدة على التخريب والاهمال(كأن شيئا لم يحدث)سوى بعض كتابات على الجدران تترحم على الأحبة الراحلين!كما أن مؤسسات الدولة ظلت تؤدي مهامها بكل كفاءة وإتقان.. دعوني من ضعف عجلة الإنتاج وانخفاض الاقتصاد,فهما أمران(طارئان),لم يؤثرا على حياة الشارع المصري وواقعه,وهما لايلبثان أن يعودا سريعا بعد الاستقرار التام للأوضاع السياسية..ولاتهتموا كثيرا(بالبلطجية)فإن (بلطجتهم) تبقى محدودة(جدا جدا)مقارنة بالوضع العام وعدد السكان وحالات مماثلة أخرى,فقد حدث في مدينة كبرى كنيويورك150ألف واقعة سرقة و(بلطجة), عندما انقطع التيار الكهربائي لما يقارب الساعة والنصف(فقط).! هذا الصمود العجيب أزعم أنه نسيج لوحده مقارنة بحالات أخرى كثيرة,تخيلوا لو أن بعض المجتمعات(العربية) عاشت(ربع)هذه الأحداث,فربما(يختلط سيلها بالأبطح),ويتحول المجتمع البشري إلى واقع الغابات الدموي,الذي لايحيا فيه وينتصر ويكسب إلا الأقوياء,هل رأيتم-في بعض هذه المجتمعات- كيف يكون الحال عندما تتوقف إشارة مرور عن العمل(فقط)؟ أزعم-ولكم حق الاختلاف-أن الذي(خدم) المجتمع المصري لتجاوز أزماته(الرهيبة)أمران,أولهما الروح الجمعية الوطنية التي دائما ماتتجلى عندما يكون أفراد المجتمع(كلهم)نسيجا وطنيا واحدا أصلا ومنشأ وولادة!!(وبالمناسبة,فهل تتذكرون بحثي المؤرق عن مجتمع وطني خالص في مدينة كمدينة جدة من بلادنا المباركة؟),وثانيهما نسبة الوعي الحضاري التي ترتفع بالضرورة عند تعاقب الحضارات وتراكم الحركات النهضوية على الأرض الواحدة! (2)النموذج الباكستاني! ربما يتمنى الفاعلون والناشطون السياسيون في مصر,ويحلم المواطنون بالنموذج التركي,ولكن الوقائع-إلى الآن- تفصح عن اتجاه أكثر وضوحا نحو النموذج الباكستاني,فثمة مسافة لاتزال طويلة بين الراهن المصري والتجربة التركية الحديثة,كما أن اللاعبين الأساسيين المؤثرين في الداخل السياسي قريبون- بشكل أو بآخر- من التجربة العسكرية السياسية الباكستانية,فالمشير حسين طنطاوي لايخفي إعجابه بهذه التجربة(المتوازنة برأيه)وهو الذي عمل ملحقا عسكريا في(الباكستان) لسنوات,كما أن ثمة علاقة تأثر جلية بين الأفكار الرئيسة التي تدور حولها التيارات الدينية منذ سبعينات القرن الماضي,والفكر الديني القادم من تلك الفضاءات عبر كتب وآثار الشيخ أبي الأعلى الموؤدي,وخطابه الديني! (3)..أخطر من(الطاغية)! النخب السياسية التي يسعى كل منها لكسب الشعب وتضليله بخطابات تلعب على(أوتار)المشاعر الجياشة,من أجل تشتيت المواطنين وضمان عدم توحدهم وانطلاقهم في مسار واحد,بتعبئة إعلامية(خطيرة)لها مفعول السحر في إنتاج وعي مشوه..أقوى وأخطر وأشد ضررا من النخبة الحاكمة القديمة,وهي بالتالي تنسف أهداف(الثورة)وتنتج العديد من الطغاة(الجدد)!! (4)ابتذال(صحافي)! نادين البدير..هناك..ماذا تفعل؟مشكلتها أنها استهلكت قلمها,وقالت(كل)ماعندها,حتى أصبح المتلقي يتوقع ماذا تكتب حول الموضوعات المطروحة..هي تمارس من هناك جلد الذات بطريقة فجة مضحكة!الأدهى والأمر من(البدير) مطبوعة وليدة(قيل عنها الكثير)كانت عناوين صفحتها الأخيرة-وأنا أطالعها هناك- كالتالي:»خليجنا واحد,وخروفنا واحد»,»والله إنت كلب أبيض»,»ممنوع البول ياحمار»...فهي بجدارة تقتحم عالم الابتذال وهي لاتزال في مهادها الطفولي..فثمة فرق-بطبيعة الحال- بين(الأدب الساخر)الجميل,و(السماجة المبتذلة)جدا... (5)أم(الدنيا)..وأم(طارق)! وأنا أجوس مع طارق شوارع وسط البلد باتجاه مكتبة(مدبولي)أجده في كل مرة يستقبل اتصالات من والدته,تطالبه ألا ينسى ارتداء الملابس الداخلية القطنية ذات الأكمام الطويلة في شتاء القاهرة القارس..شدني بافتنان العلاقة الجميلة بين طارق ووالدته..طارق الذي جاوز الأربعين,أب(لستة) أطفال لايزال(طفلا)أمام قامة(حنان الأم)السامية..بمقابل(أم طارق) ثمة آباء نضب معين رعايتهم وحنانهم بمجرد كبر أبنائهم وزواجهم,بقناعة صارمة منهم بأنهم قد أدوا ماعليهم(تماما)و ليس عليهم-الآن- إلا انتظار عطاء أبنائهم,الذين ينظرون إلى ذلك الانسحاب بألم لايوصف,وحيلة (لاتنفع),فهم سيظلون وحدهم في علاقة عاشوا شواهدها الجميلة طويلا,وهل ثمة علاقة بين طرف واحد(أصلا)؟..أزعم أن لدينا الكثير من نماذج(الجفاف)تلك,فمنذ سنوات ..كان لدينا زميل في(العمل)كان هاجسه الأكبر والأول(أمه)التي لاترضى عنه أبدا,رغم طاعته لها,وغلظتها معه,فهي(كما يقول):»تهمشني,ولاتسأل عني أبدا,وتظلمني,وتخلق لعائلتي مشاكل لاتنتهي,بل وتطلق لسانها علي بأقذع الشتائم أمام أبنائي»ثم تطالبني بأن أقبل رجليها صباح مساء..رجليها وليس غيرهما,لأنه إذا أراد الجنة-كما تقول- فهي تحت تلك القدمين!!,وقد ألف تقبيل جبينها كل يوم منذ صغره وحتى الآن والشيب قد بدأ يغزو شعر رأسه.. ليست القضية بالتأكيد(أم طارق)على بهاء هذه المرأة الكريمة,ولكنها دعوة للنظر إلى المسائل(كلها)من ثنائيتي(الحقوق والواجبات)متى ماأردنا صياغة علاقاتنا الانسانية بطريقة(سوية)! (6) أعود إلى جدة من جديد بعد أن ضعت كالعادة بين صالات مطارات القاهرة,حتى أن ثلاثة من موظفي الخطوط السعودية الذين اتصلت بهم اختلفوا-جميعا-في رقم الصالة والمطار(الجديد)أم(القديم)..المهم أنني وصلت!!