منذ يولد الإنسان في عالمنا العربي - المعجون بالكوارث والأزمات - وحتى يموت، وهو في كل كارثة أو مصيبة يسمع المتحدث الرسمي وغير الرسمي يعلن عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، ويظل يتقصى الحقائق عن لجنة تقصي الحقائق فلا يجد سوى ما وجده المجنون من صاحبته ليلى العامرية حين قال: فأصبحت من ليلى الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع بدءًا من منظمة التعاون الإسلامي التي نعلم عن مجلس الدوما الروسي أكثر مما نعرف عنها. هذه المنظمة غير المنظمة التي لا تستيقظ إلا بعد أن تبلغ القلوب الحناجر، لتقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، ومرورا بجامعة الدول العربية، الجامعة التي لم ينجح فيها أحد منذ افتتاحها، ولم تدخل كبعض الجامعات العربية التصنيف الدولي للجامعات بالعصد على سمن الجيران. وانتهاء ببلداننا العربية التي تعاني في كل شيء من أزمة، ولا تخرج من ملمّة إلا إلى كارثة، النتيجة معروفة سلفا مؤامرة أجنبية. دائما لجان تقصي الحقائق تعرف كل شيء إلا الحقيقة، وتذكر كل شيء إلا الحق، فنحن ضحية مؤامرة عالميّة، العالم مشغول بنا، يفكر لتدميرنا، ويخطط لمسحنا من الخارطة، ونحن عائل مستكبر، نذم الآخرين ونأكل من فتات موائدهم، ونستعلي عليهم وهم يسترون عوراتنا، فهذا والله هو الحشف وسوء الكيل. في السودان حرب منذ ثلاثين عاما قسمت السودان قسمين، وبددت ثرواته وشردت أهله، وأهلكت الحرث والنسل، وفي الصومال أمراء حروب في كل قارعة تقام خلافة فيها أمير المؤمنين ومنبر. وفي العراق دماء وأشلاء، ولعن وشتم ودموع على الحسين، وسجن في مقبرة التاريخ كلما خرجوا منها أعيدوا فيها. وفي سوريا أسد على حمص، نعامة على الجولان، أقسم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أن يقتلع الحناجر، ويقاتل بالرصاص والخناجر، ولا يفرق بين الصالح والفاجر، وهل يأبق الإنسان من ملك ربه ، فيهرب من أرض له وسماء وشياطين موسكو وطهران، وملالي العراق ولبنان يوحي بعضهم إلى بعض، ويزينون لبشار سوء عمله فيراه حسنا. والعرب والعالم ينادون بأعلى صوت اركب معنا، وهو يقول سآوي إلى فراغ دولي يعصمني من الزوال، ولكن لا عاصم اليوم من أمر الله. فالزمان اختلف، وما صح لأبيك لن يصح لك. ولكنه الطغيان الذي أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى. يذبح الناس جهارا نهارا، ويقسم بالله أنه شكل لجانا لتقصي الحقائق، والجامعة العربية تشكل لجانا لتقصي أخبار لجان الرئيس، ولكن ظلمات بعضها فوق بعض. ولا شيء سوى المؤامرة على وحدة الوطن، والممانعة والمقاومة. أعدل الأشياء قسمة بين العرب لجان تقصي الحقائق، ففي كل وطن لجنة، ووراء كل لجنة لجنة، وفي وعي كل مواطن لجنة، وفي لا وعيه لجنة، كلها تتقصى الحقائق، ولهذا ضاعت الحقيقة، وتفرق دمها بين اللجان، لهذا أمرنا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق. [email protected]