سؤال يطرحه كل مصري في هذه المرحلة الحرجة، مصر رايحة فين؟! وفيما يتفاءل إلى حد الثقة بالمستقبل، يتشاءم البعض الآخر إلى حد كبير، فمجريات الأحداث طرحت تناقضات عدة تتراوح بين الأمل والرجاء والخوف والقنوط، مما جعل هذا السؤال أكثر إلحاحًا خوفًا وأملاً في مستقبل أمن مصر رغم انتخابات برلمانية غير مسبوقة فى مرحلتها الأولى. واختلف الخبراء والسياسيون حول رؤيتهم للواقع واختلفوا في تقديرهم للمستقبل، معتبرين أن المخاض الذي تمر به مصر قد يقودها إلى الأمام ألف خطوة وقد يرجع بها إلى الخلف من غير هوادة. قلق جماعي وعدم يقين يقول الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: أظن أنه سؤال يستحق أن نتوقف عنده اليوم بالشرح والتحليل، لعلنا نتعرف على أسباب الحالة التى تعيشها مصر فى تلك الأيام ونتلمس معًا سبل تجاوزها أو الخروج من مأزقها. ويرى أن هناك أسبابًا ثلاثة تقف وراء هذا السؤال الملح: السبب الأول، يتعلق بغموض مفهوم المرحلة الانتقالية وعدم وضوح نطاق المدة الزمنية التى ستستغرقها، فقد تسبب هذا الغموض، الذى يشك البعض فى أنه متعمد، فى شيوع إحساس عام بأن المجلس العسكري يماطل فى تسليم السلطة، إلى درجة أن البعض أصبح على قناعة تامة بأنه لن يتخلى عنها مطلقًا، والسبب الثاني، يتعلق بتباين النهج المستخدم فى إدارة هذه المرحلة من جانب الطرف الممسك بزمام السلطة (أي المجلس العسكري)، مقارنة بالنهج المتوقع أو المأمول من جانب القوى الشعبية التى فجرت الثورة أو التفت حولها بعد اندلاعها، فقد تسبب هذا التباين فى ظهور فجوة بين الأداء الرسمي والطموح الشعبى راحت تتسع باضطراد، أما السبب الثالث، فيتعلق بالأداء الهزيل لنخبة سياسية يفترض أن تعبر عن القوى صاحبة المصلحة فى التغيير عقب نجاح الثورة فى الإطاحة برأس النظام، وتفجّر الخلافات بينها حول شكل النظام السياسى الذى يتعين أن يحل محل النظام الذى سقط رأسه وسبل بنائه، فقد تسببت هذه الخلافات فى تشويه صورة الثورة لدى الرأي العام، وفى شل قدرتها على إحداث التغيير المطلوب، والحيلولة دون تمكينها من تحقيق كامل أهدافها حتى الآن. ويرى الدكتور نافعة أنّ المنهج المستخدم فى إدارة المرحلة الانتقالية اعتمد المجلس العسكري على منهج إصلاحي يقوم على تغيير متدرج فى أضيق الحدود، والتضحية برأس النظام وبرموزه الأساسية، ولكن مع الإبقاء على أسسه وسياساته وتوجهاته الرئيسية دون تغيير جوهري. ولأنّ الثورة رفعت شعار إسقاط النظام، برموزه وسياساته وتوجهاته الداخلية والخارجية، وعدم الاكتفاء بإسقاط رأسه، فقد كان من الطبيعي أن تحدث فجوة، راحت تتسع باستمرار، بين طموح الثوار والواقع الذى فرضه المجلس العسكري، وهو ما يفسر عودة المظاهرات «المليونية» إلى ميدان التحرير. وبضيف أن تشرذم القوى صاحبة المصلحة فى التغيير، أدى إلى مزيد من المخاوف فالقوى التى وحدتها كراهية النظام القديم، تفرقت بمجرد نجاحها في إسقاط رأس هذا النظام، ولم تتمكن من المحافظة على تماسكها حتى إسقاط ما تبقى منه والاتفاق على القواعد الأساسية لبناء النظام الجديد، ولا جدال فى أن النهج الإصلاحي الذى اعتمده المجلس العسكري فى إدارة المرحلة الانتقالية لعب دورًا فى تعميق هذا الانقسام، والذى بدأ مع تشكيل لجنة لتعديل الدستور، بدلاً من هيئة تأسيسية لصياغة دستور جديد، وتصاعد مع الاستفتاء وما جرى فيه من توظيف مكثف للدين، إلى أن وصل إلى ذروته باحتدام الجدل حول الدستور أم الانتخابات أولاً، ثم جاءت الانتخابات لتكريس حالة التيه التى ستظل مستمرة إلى أن يكتمل بناء مؤسسات الدولة، وهذا ما نتمنى ألا يتقدم أي طرف على تعويضه. لننظر انتهاء المرحلة الانتقالية الخبير العسكري اللواء محمد علي بلال يرى أن الثقة كانت معدومة بين الشباب والنظام السابق طوال ثلاثين عامًا مضت، لكن لابد أن يثِق الشباب اليوم في الجيش، خاصة بعدما رأى بعينيه حِياده (الجيش) خلال الأزمة وتعامله بأعلى درجات الرقي مع الشباب المتظاهرين، فهو لم يقمعهم، كما فعلت الشرطة، وإنما نزل لحمايتهم وتوفير الأمن والاستقرار والنظام لجموع الشعب، عندما عمّت الفوضى، عقِب انسحاب الجهاز البوليسي من الميدان وحدوث انفلات أمني في الشارع، بعد إطلاق سراح قرابة 20 ألف سجين ومجرم، مما هدّد حياة وممتلكات الناس بالخطر وبثَّ الرُّعب في نفوسهم. وأضاف بلال أنّ المجلس العسكري تعهَّد منذ البيان الثاني بتنفيذ مطالب الثورة، كما أكد البيانان الثالث والرابع على احترام إرادة الشعب في الانتقال إلى سلطة مدنية، ثم جاء البيان الخامس ليجيب على تساؤلات الشباب ويطمئِن قلق نفوسهم، بالكشف عن إجراءات وخطوات عملية محددة»، معتبرًا أنه «بمجرد انتقال السلطة إلى القوات المسلحة، تعطل العمل بالدستور وحُلَّ مجلسيْ الشعب والشورى، لأن تخلِّي مبارك عن السلطة وتكليف الجيش، حمل بين طياته تعطيل الدستور وأوضح بلال أن «تحديد المجلس العسكري فترة الانتقال بعد الانتهاء من انتخابات مجلسَيْ الشعب والشورى والرئاسة، في موعد غايته أول يونيو المقبل استهدف بث الطُّمأنينة لدى الشعب». وتابع: يجب أن يلتفت الجميع إلى المستقبل والا تصنع قضايا وخلافات فرعية أو الحديث عن تشكيل حكومة إنقاذ وعودة الجيش إلى ثكناته فهذا يمثل خطرًا كبيرًا على الثورة لأن الجبش في الأساس هو الذي حمى الثورة وحمايتها لا تقتصر على تغير النظام ولكن الانتقال بالكامل إلى المرحلة القادمة والتي تقام فيها مؤسسات الدولة وينتخب الرئيس فأي خلاف بين القوي السياسية وارد وهو حادث الآن ومن الصعب أن ينسحب الجيش ثم يعود إذا حدث انفلات سياسي في المستقبل ولكن حين تنتهي الانتخابات ويؤسس الدستور وينتخب الرئيس ستكون هناك قنوات شرعية ودولة لها كيانها، وأعتقد أن صبر الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة منبعه في الأساس الاحساس بالمسؤولية الوطنية وعدم ترك البلاد في حالة من الفوضي. خوف أكثر من التفاؤل المستشار زكريا عبدالعزيز الرئيس السابق لنادي قضاة مصر قال إن بطء المجلس العسكري في اتخاذ قرارات مهمة في توقيتها أعطي انطباعات خاطئة حولت موقف الجيش من موقف داعم للثورة الي موقف معوق لها مثلما فعل النظام السابق في تباطئه في اتخاذ القرارات، ومن ثم تولد جدل داخلي وطرحت تساؤلات كثيرة ذهبت بالثورة الي غير غايتها، بالإضافة إلى ذلك تناحرت القوي السياسية بعيدًا عن المصلحة العليا للبلاد وظهرت انقسامات وأصبحنا أمام تيارات عدة: التيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، وشباب الثورة ثم القوات المسلحة وأصبح هناك جدل واسع بين هذه التيارات المحتلفة لم يصب في خانة المصالح العليا للبلاد، بقدر ما ولد فكر التخويف والتخوين حتى رغم نجاح الانتخابات ونزاهتها وإن كانت لم تخلُ من أخطاء، ولكن بشكل عام هي انتخابات غير مسبوقة في تاريخ مصر، ومن ثم فإن أحداث العشرة شهور الماضية وتداعياتها أفرزت خوفًا من المستقبل أكثر من الإحساس بالتفاؤل، وأعتقد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يحالفه التوفيق في بطئ القرارات التي كان من شأنها أن تهدئ من روع الخائفين، فكان من الواجب أن يسارع المجلس العسكري بتسليم السلطة وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، بدل أن يضغط عليه لإعلان توقيتات محددة للتحول الديمقراطي في مصر، ويشير إلى أن هذا الواقع أفرز في النهاية خلافات فكرية ومذهبية ومخاوف لم يكن لها ما يبررها في بداية الثورة ومن ثم أصبحت البلاد على شفا حفرة من الانهيار مع تزايد حدة الخلافات بين القوي السياسية والخوف أن يتزايد هذا الخلاف ويبعد الجميع عن روح الثورة والغايات الكبرى التي قامت من أجلها. تخوين وتخويف ويري حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل للرئاسة أن هناك معركة وهمية بين الليبراليين ومخاوفهم من تصاعد التيار الإسلامي هذه المخاوف هي أفكار كرتونية وهمية في محاولة للاساءة والإنقاص من قدرة التيارات الإسلامية التي تحمل مشروعًا تنمويًا مغايرًا للرؤية الغربية والرأسمالية، ومن ثم تثار المخاوف وتزداد حدة التشكيك التي اعتبرها من صنع الخيال لأنه لا يوجد في التيار الإسلامي من يطرح ما يبرر هذه المخاوف أو يؤكد عليها، والكل يسعى لتحول تدريجي بالبلاد نحو الديمقراطية والمواطنة وحق الأقليات لأنّ ذلك من صميم الإسلام وجوهره، ولا داعي لهذه المخاوف لأنّ هناك أولويات أخرى للبلاد أهمها إعادة البناء والتنمية وإصلاح وضع المجتمع وسد حاجة الناس. ويقول حازم أبو إسماعيل إذا فشل الإسلاميون في ذلك فصناديق الاقتراع موجودة والشعب هو الذي يختار في النهاية وليس هناك أحد معصوم المهم أن نضع مصالح البلاد نصب أعيننا ومن أسس الديمقراطية أن نقبل بما اختار الشعب ولكن حتى في ذلك يشككون. الفوضى ويري الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد السيد النجار نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن أكبر خطأ وقعت فيه الثورة المصرية أنها طرحت كل أولوياتها في آن واحد، فبدت هذه الأولويات كأنها معطلة للأخرى، وكان من الأولى أن يجتمع الجميع على أمرين الأول الآمن والثاني التنمية والنهوض بالاقتصاد وكان من الواجب أن يضع الجميع هاتين القضيتين نصب الأعين مثلما تنبه الجميع الآن لهما وهو ما يطرحه الدكتور كمال الجنزوري الان، وقال إن التنمية الاقتصادية والحفاظ على الاحتياطي النقدي كان يحتاج لموقف مغاير لأنه حتى لو تحققت الديمقراطية في ظل غياب الأمن الاقتصادي فستكون أشبه بالفوضى. وأكد النجار أن مصر تحتاج إلى تغيير اقتصادي شامل أو ما يمكن أن نطلق عليه «ثورة اقتصادية» تراعي إعادة توزيع الثروة علي أسس مجتمعية سليمة، كما يجب أن يتغير نمط الإنتاج بحيث تكون الأولوية للاتجاه للاقتصاد الإنتاجي، فليس من المعقول أن تمول البنوك المصرية من أموال المصريين مشروعات استهلاكية أو ريعية تقوم علي المكسب السريع ولا تعود بالنفع علي المواطنين. وطالب النجار أن تعود الدولة إلى دورها الحقيقي في تمويل المشروعات الصناعية الكبرى فتحقيق نهضة اقتصادية يتطلب تخطيطا استراتيجيا بعيد المدي وهو ما لا يمكن أن يقوم به القطاع الخاص، وقال إن الدول الكبرى بما فيها الولاياتالمتحدة تسيطر على الصناعات الكبيرة والاستراتيجية ، وتشارك بنسب كبيرة في كافة المشروعات والشركات الكبرى. وأضاف أن الأجور هي الآلية الرئيسة لتوزيع الدخل في أي مجتمع، مشيرًا إلى أن النسبة التي كان يحصل عليها العاملون بأجر من الناتج المحلي الإجمالي منذ عقود كانت 48% ، أما في عام 2007 فأصبحت لا تتجاوز ال 20%.