خبر اشتعال الحافلة التي كانت تقل حجاجاً شرق جدة ، و راح ضحيته حاجان رحمهما الله و بعثهما ملبيين ، بالإضافة لبعض حوادث الاشتعال التي مرت بسلام بفضل الله ، لابد أن نعتبرها بمثابة الإنذار المبكر لمخاطر الحج في الصيف ، و بالتالي العمل من الآن من أجل الاستعداد لمواسم الحج القادمة التي سوف تصادف أشهر الصيف ، و هي ليست بعيدة فخلال خمس سنوات ستكون الوقفة في أواخر أشهر الصيف ، و بعدها ستكون في اتجاه ذروة أشهر الصيف و أشدها حرارة. لعل الكثيرين يتذكرون –و أنا واحد منهم- حينما صادفت مواسم الحج أشهر الصيف الأعداد الكبيرة من حجاج بيت الله الذين تعرضوا لضربات الشمس ، و كيف اكتظت بهم المستشفيات و المراكز الصحية و ممراتها ، و كيف قضت أعداد منهم نحبها ، و يتذكرون كيف كان الناس يتسابقون في أعمال الخير ذات العلاقة بالتبريد -إن صح التعبير- من توزيع الثلج و المياه و العصائر المبردة ، و توزيع الشماسي ، و التشجير ، و بخاخات المياه حول مسجد نمرة و جبل الرحمة للتخفيف من آثار شدة الحر. و يتذكرون كذلك السيارات التي توزع الثلج والمياه و العصائر المبردة مجاناً على الحجاج و كيف كانت تجوب شوارع عرفات في نهار يوم عرفة بكل حرية ، حيث لم تكن الشوارع تُغلق من كثرة وقوف الحافلات من بدايات الضحى كما هو الحال في السنوات الأخيرة. إن مخاطر الحج في سنوات الصيف القادمة لن تكون هي نفس مخاطر الحج في سنوات الصيف التي مضت و لا بنفس حجمها ، و ذلك بحكم تزايد الأعداد بوتيرة أسرع بكثير من سرعة تطوير البنى التحتية و المساكن و المراكز الصحية ووسائل النقل و غيرها ، و أيضا بحكم تطور نمط الحياة للناس بشكل عام في العالم و عيشهم بمستويات رفاه أكبر. فالحاجة مثلاً إلى التبريد في مخيمات المشاعر و المركبات ستكون أكبر على الأقل بحكم أعداد الحجاج ، و هو ما سوف يشكل إذا ما تم بنفس التقنيات الحالية مصدراً كبيراً من مصادر نفث الحرارة في الأجواء الحارة أصلاً ، و سيزيد حجم الآثار السلبية لحرارة الأجواء على سلامة الحجيج. و أيضاً حالات اشتعال الحافلات ذات المحركات التقليدية في تصوري ستكون بأعداد و مخاطر أكبر ، خصوصاً في نهار يوم عرفة و عند بداية الاستعداد للنفرة منها ، حيث اكتظاظ الحافلات في المواقف و على الطرقات ، و دوران محركاتها و محركات مكيفاتها التي تشكل مصادر كبيرة للحرارة. و مصادر الحرارة بالإضافة لحرارة الصيف سيكون لها عواقب على سلامة الحجاج ، سواء فيما يتعلق بالإصابة بضربات الشمس أو غيرها من الأمراض المتعلقة بالتعرض لدرجات حرارة مرتفعة ، أو ما يتعلق بنشوب الحرائق في المخيمات و المركبات ، و هو ما قد يصل إلى مستويات يصعب السيطرة عليها من قبل الجهات الصحية و الأمنية. إن خوفي أن تمر السنين دون أن ننجز ما هو مطلوب لمواسم الصيف ، كما حصل في انجازنا لما هو مطلوب لمواسم الأمطار ، فقد جاء الموسم و انتهى و كانت بعض المشاريع لا تزال تحت التنفيذ و لم تكتمل. و عليه فإن الواجب على سبيل المثال لا الحصر سرعة إنجاز مشروع تكييف جميع أدوار المسجد الحرام و تظليل ساحاته و سطحه وصحن المطاف ، اتخاذ قرار سريع بشأن تظليل مخيمات عرفات باستخدام الخيام العملاقة كتلك المستخدمة في صالة الحجاج في مطار جدة ، و دراسة بدائل للتكييف لا تشكل مصدراً للحرارة ، و التفكير سريعاً في استخدام حافلات تعمل بالطاقة الكهربائية و ليكن ذلك في المسارات المخصصة للرحلات الترددية ، أيضاً تظليل مسارات جسر الجمرات و المسارات المؤدية إليه .. و مع ذلك فإن الواجب فيما أرى أن يُشرع فوراً في الترتيب لعقد مؤتمر أو منتدى لدراسة المتطلبات و ما يجب عمله من أجل مواسم الحج التي سوف تصادف فصل الصيف ، يشترك فيه المعنيون من جميع الجهات بما فيهم أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها. و الله ولي التوفيق. [email protected]