مهما كان موقفنا من بعض القنوات الفضائية العربية والأجنبية ، ومهما كان دورها وفعلها على الأرض وبين ثنايا المجتمعات العربية المعاصرة فإن شيئا واحدا لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومات والمؤسسات الرسمية العربية وهو حق التعبير عن الرأي وحق التلقي المعرفي بالنسبة للمواطن العربي وهذا ما تكفله جميع القوانين والأنظمة بل والشرائع السماوية ، لأن الإنسان خلق ليكون واعيا بما حوله ممارسا لحق الحرية التي تساوي تماما حقه في الحياة ، وهو بدون ذلك لا يمكن أن يكون إنسانا حر الإرادة ، وحرية الإرادة تعني تحمل مسئولية التكليف الذي يحاسب عليه الإنسان ، هذا إن أرادت الحكومات العربية أن تكون شعوبها كريمة واعية تمتلك القدرة على التفكير الناضج المبدع ، تتوفر لديها مهارات الابتكار والتطوير التي تعتبر العمود الفقري لأي حضارة وأي تقدم وتطور حقيقي تتمكن من خلاله من تربع القمة بين أمم الأرض . خلال مظاهرات ميدان التحرير نقلت وكالات الأنباء المصورة صيحات كثير من المشاركين وهتافاتهم التي يعبرون فيها عن فرحتهم الغامرة بما نالوه من الحرية وافتخارهم بانتمائهم لمصر وسعادتهم بهذا الإحساس لأول مرة منذ عقود ، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام المصرية الحكومية والحزبية المطبلة للحاكم المخلوع تحاول نفي وجود أي مظاهرات أو على الأقل تحاول التقليل من شأنها وتحجيم أعداد المشاركين فيها ، كما أنها حاولت قدر الإمكان إقناع المشاهدين بأن المتظاهرين كان لديهم أجندة أجنبية وبالتدخل والدعم الخارجي ، رغم أن كل القنوات الفضائية العربية غير الحكومية والقنوات الأجنبية كانت تتابع الأحداث ميدانيا لحظة بلحظة عبر مراسليها مباشرة أو من خلال مشاركات الجمهور عبر الانترنت ، ولم تتغير لهجة وطريقة تناول وسائل الإعلام المصرية عامة إلا بعد أن تأكدت من أن البساط قد سحب من تحت أقدامها وأنه لم يعد ممكنا أي تلفيق أو تزييف للواقع بعد أن انتهى العهد السابق رسميا . وقد حدث مثل ذلك في وسائل الإعلام التونسية خلال الثورة التي سبقت ثورة شباب ميدان التحرير ، وفيما بعد نجد أن وسائل الإعلام الليبية تنفذ الخطة نفسها وتكرر الأسلوب نفسه ، بل أكثر من ذلك أصرت الفضائيات الليبية الرسمية الضحك على الجمهور والإمعان في ذلك بإذاعة مظاهرات مؤيدة للقذافي لكن فاتها أنها اقتصرت على مدينة طرابلس ، وربما كانت هذه اللقطات قديمة مخزنة في المستودع وآن وقت إذاعتها ، في الوقت الذي تتابع فيه الفضائيات العربية والأجنبية أحداث بني غازي وغيرها من المدن والقرى الليبية لحظة بلحظة ، وفاتها أكثر تصريحات نجل القذافي الذي تحدث عن المظاهرات والتخريب والقتل الحاصل في البلاد ..!! يبدو أن الإعلام العربي الرسمي ما يزال معظمه يغط في سبات عميق ، وكأنه لا يعيش الواقع وليس لديه أي رغبة في تطوير ذاته والخروج من القمقم الذي نشأ وتربى في داخله طوال العقود السالفة ، وكأن وزارات الإعلام العربية لا دور لها إلا التطبيل والتزمير للرئيس ، كما يظهر واضحا أن المواطن العربي ليس له أي حق ولا موضع قدم بين اهتمامات معظم وسائل ذلك الإعلام رغم كل المحاولات التي يبذلها في تأكيد صورته الحضارية وأنه وسيلة للتنوير والتثقيف والحضارة ، لكن الواقع المريرفي الكثير من البلدان العربية يؤكد غير ذلك ، فهل تعي وسائل الإعلام العربية هذه الحقيقة ؟؟