مكة المكرمة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.. من على ثراها الطاهر انطلقت دعوة الحق لتخرج الناس من الظلمات الى النور.. وعلى ترابها تنزّل الوحي الإلهي على المصطفى صلى الله عليه وسلم. تحتضن البيت العتيق الذي نسبه الله تعالى إلى نفسه فقال جلّ من قائل: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) من هذه المنطلقات الاسلامية لهذه المكانة العظيمة للعاصمة الاسلامية المقدسة كانت رؤية القيادة التي اتخذت القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام دستوراً لها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود رحمه الله الى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وجدت الرعاية والاعمار والتخطيط والتطوير لتكون في طليعة المدن العالمية تطوراً وتقدماً.. ولذلك كان لها النصيب الأوفر والقدح المعلّى من اهتمام قادة هذه البلاد لتنفيذ التصور العام المراد لها نحو العالمية مستمدة هذا التصوّر من تعلّق ملايين المسلمين بقبلتهم وتوجّههم اليها في صلواتهم وتطلعهم اليها لأداء مناسك الحج والعمرة لذا كانت مكةالمكرمة (الحرم) والمدينة تشغل اهتمام القيادة وقد توفرت لها مقومات الريادة العالمية فشهدت العديد من المشروعات التطويرية بدءا بمشروعات توسعة المسجد الحرام واعماره ومشاريع البنية التحتية في المنطقة المركزية للحرم الشريف ولمكة كمدينة يؤمها الملايين من جميع اصقاع العالم الاسلامي. مكة في وجدان المؤسس حظيت مكةالمكرمة باهتمام القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود رحمه الله فلم يمض وقت طويل بعد دخوله مكةالمكرمة عام 1343ه حتى اعلن البدء في ترميمات الحرمين الشريفين في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة واصدر في سنة 1344ه أمره الكريم بترميم المسجد الحرام وتجديد الجدران والاعمدة والمطاف والممرات المؤدية اليه وعموم اساطين المطاف التي تعلق عليها القناديل وكافة الابواب بالاضافة الى طلاء مقام ابراهيم عليه السلام. وفي عام 1345ه كثر الحجيج حتى ضاق المسجد بالحجاج والمصلين و وضعت حكومة المملكة سرادقات في صحن المسجد ليجد المصلون مكاناً مظللاً يتقون به حر الشمس. وفي اواخر ذلك العام أمر رحمه الله برصف المسعى وتبليط ارضيته بعد ان كان الغبار ينتشر في اروقته لوقع اقدام الساعين بين الصفا والمروة كما تم انشاء اعمدة رخامية جديدة من قطع المرمر الصقيل في ردهات المسجد الحرام لتعلق عليها فوانيس الاضاءة الكبيرة. وفي عام 1346ه اصدر الملك عبدالعزيز رحمه الله امراً بعمل مظلات قوية وثابتة في صحن المطاف تكسى بالقماش الابيض بعدها عملت مظلات ثابتة في اطراف الصحن مثبتة بالاروقة تفتح وتغلق فكانت تنشر اذا اشتد حر الشمس وبقيت سنوات طويلة تجدد عند الحاجة. اول مصنع لكسوة الكعبة وفي العام ذاته أمر رحمه الله بانشاء اول مصنع لكسوة الكعبة المشرفة في منطقة اجياد في مكةالمكرمة، امام دار وزارة المالية العمومية، وقد تمت عمارة هذه الدار على مساحة 1500م2 فكانت اول مصنع لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز منذ ان كسيت الكعبة في العصر الجاهلي الى العصر الحالي. كما أمر رحمه الله في عام 1366ه بتجديد سقف المسعى بطريقة فنية محكمة كما تم في عهد المؤسس رحمه الله تجديد باب الكعبة المشرفة واصلاح جوانبه. واهتم الملك عبدالعزيز بحفر واصلاح الابار بين مكةالمكرمةوجدة، وانشاء السبل داخل مكة، وعلى امتداد الطرق القادمة من الرياض الى الطائفومكة. ومن المآثر المشهورة والقائمة حتى اليوم آبار عشيرة المشهورة التي أمر بعمارتها سنة 1350ه وعمّر الملك عبدالعزيز ايضاً عددا من السدود داخل مكة، وأقام الخزانات المسلحة لحفظ المياه. وقد روعي اثناء مدّ الطرق الحديثة داخل مكة والمشاعر المقدسة عدم مضايقة المشاة اصحاب القوافل التي تستخدم الدواب وتنظيم حركة السير بيسر وسهولة. ومن الانجازات المهمة بالنسبة للمواصلات العصرية انشاء مطارين رئيسيين هما مطار الملك عبدالعزيز بجدة ومطار الحويةبالطائف. التوسعة السعودية الاولى وضع جلالة الملك سعود رحمه الله حجر الاساس للتوسعة السعودية الاولى وتم في هذه التوسعة بناء المسعى بطابقيه وفصل المسعى عن حركة المشاة كما تم بناء درج للصفا وآخر للمروة واقامة سبعة ابواب للمسعى في الواجهة الشرقية وواحد وعشرين باباً تطل على المسجد الحرام كما تضمنت اعمال هذه التوسعة ايضاً عمارة المسجد الحرام والجزء الخارجي من المبنى وتوسعة منطقة المطاف وعمل سلالم وبئر زمزم. وتم بناء المكبرية وشق الطرق وانشاء الميادين حول الحرم وتجديد الحرم القديم واركانه الاربعة لانشاء البوابات الثلاث الرئيسية وبهذه التوسعة التي تجاوزت 131041م2 بلغت الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام 313 الف مصل في حين انها لم تكن تتجاوز قبل التوسعة 29127 مصليًا وشملت التوسعة تركيب مضخة ترفع ماء زمزم الى خزان علوي مصنوع من الزنك ومنه الى الصنابير الموزعة حول البئر مع استخدام الدلاء للحاجة حتى يمكن الوفاء بمتطلبات الحجيج من مياه زمزم خاصة في اوقات الصيف. وفي 1374ه أمر الملك سعود ببناء بناية صغيرة امام باب بئر زمزم في جزء من جانبه وجعل بها حنفيات تملأ بماء زمزم ولها صنابير يشرب منها الحجاج، وأمر بعمل درج يوصل الى اعلى البئر من الخارج وجعل له باباً، وفي 1375ه أمر الملك باستبدال الشمعدانات الستة التي على حجر اسماعيل بخمسة من النحاس الاصفر فوق كل شمعدان وضع فانوساً يضاء بالكهرباء. وادرك جلالة الملك سعود ان اجتماع المسلمين في مكةالمكرمة لاداء شعيرة الحج له اسهام كبير في اجتماع كلمتهم ولمّ شملهم فكانت تلك التوسعة العملاقة التي ضاعفت مساحة المسجد الحرام اضعاف ما كانت عليه فجاءت نتيجة طبيعية لتنامي اعداد الحجاج عاماً بعد الآخر لتحقيق الرؤية البعيدة التي كان يسعى الى تحقيقها والتي ترجمها بقوله: «ان اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، ولمّ شعثهم هو اعظم ما يجب على كل مسلم ان يعمل لتحقيقه، وانني أدعو المسلمين جميعاً.. ان يجمعوا على الحق صفوفهم وان يوحدوا كلمتهم وان يكونوا كالبنيان المرصوص». عهد الملك فيصل استكمل الملك فيصل رحمه الله التوسعة الاولى للمسجد الحرام على مرحلتين شملت الاولى هدم المباني ما بين السابطية وباب السلام لتصل التوسعة من الناحية الشمالية بالمسعى كما تم انشاء باب الفتح على غرار باب الملك وباب العمرة وشيدت عليه منارتان وتم كذلك تشطيب الجدران للاروقة والاسقف فاكتمل العمل في التوسعة الاولى التي اشرف على اعمالها منذ ولايته للعهد بموجب المرسوم الذي اصدره الملك سعود رحمهم الله تعالى جميعاً. كما اصدر أمره في عام 1391ه بانشاء مبنى مكتبة الحرم الشريف وفي 1392ه امر بتجديد مصنع الكسوة (معمل الكسوة سابقاً) وقد وضع حجر الاساس نيابة عن جلالة الملك فيصل رحمه الله انذاك الامير فهد بن عبدالعزيز وفي 1393ه بدأت المرحلة الثانية من التوسعة وتم خلالها انشاء الجسور الموصلة للمسجد الحرام من بعض الشوارع المرتفعة المحيطة بالحرم مثل جسر الطابق الثاني للمسعى من ناحية المروة وجسور الشامية من جهة باب الزيادة. وتشييد دورات المياه حول الحرم، وتشييد اعمال الحديد للشبابيك والابواب، واضافة قبو (بدروم) اضافي في منطقة المثلث عند الصفا وجهز بمداخل داخلية وخارجية، واستكمال جميع الاعمال الانشائية بالكامل، واعادة انارة المسجد الحرام كما تم انشاء خمسة ميادين عامة حول الحرم الشريف، وزيادة ابواب المسجد الى 64 باباً مختلفة الاحجام. لقد نظر الفيصل الى تلك المشروعات التطويرية من منطلقات وأسس اسلامية تهدف الى بناء الانسان المسلم وتسعى الى تقدمه وفق التصور الاسلامي الذي هو سبيل التقدم والرفعة وهو ما عناه في قوله رحمه الله: (معاذ الله ان يعترض الاسلام سبيل التقدم فهو دين التطور ودين العزة ودين الكرامة، ولنغتنم الحج فرصة لبحث سبيل النهوض بالمسلمين) اعمال التوسعة في عهد الملك خالد وتواصلت الرعاية والاعمار للمسجد الحرام وخدمة قاصديه وسارت مشروعات التوسعة كما كانت في سابق عهدها ففي عهده أمر جلالة الملك خالد بصنع باب جديد للكعبة المشرفة من الذهب الخالص وقد بلغ مقدار الذهب المستخدم للباب الخارجي للكعبة المشرفة والداخلي المؤدي للسطح 280 كلج بتكلفة بلغت 13.420.000 ريال كما تم صنع قفل جديد لباب الكعبة مماثلاً للقديم في مواصفاته. وفي عام 1399ه امر بازالة العقد ومنبر الرخام العثماني وذلك لتوسعة المطاف، اذ تم نقل مدخل بيت زمزم (المرحلة الاولى) التي تمت في التوسعة الاولى الى مسافة قريبة من ناحية الرواق الشرقي وتم تغطية سقفها بارض المطاف كالمرحلة الاولى فاصبحت هذه المرحلة الثانية لتوسعة (بئر زمزم) واستكمال المرحلة الثالثة من التوسعة السعودية الاولى للمسجد الحرام والتي زادت معها مساحة المطاف من 3298م2 الى 8500م2 كما تم تكييف المسعى لاول مرة في تاريخه وفرش المسجد الحرام بافخر انواع السجاد حرصاً على راحة ضيوف الرحمن من المعتمرين والحجاج. لقد اكمل الملك خالد رحمه الله مسيرة التوسعات التي تمت في الحرم المكي الشريف منذ عهد الملك عبدالعزيز خدمة للاسلام والمسلمين واستشعاراً للدور الطليعي للمملكة التي نذرت نفسها خدمة للاسلام والمسلمين ومقدساتهم الاسلامية وهو ما ترجمه بقوله في احدى المناسبات: «ان المملكة العربية السعودية لفخورة جداً ان تضع كل امكاناتها، وتجند كل طاقاتها من اجل خدمة حجاج بيت الله الحرام الذين يحلون في بلادهم وبين اشقائهم واخوانهم». التوسعة في عهد الملك فهد «نحن جادون باذن الله تعالى في تحقيق اضخم مشاريع التوسعة والتطوير والتجميل للمدينتين المقدستين لايماننا بان امانة هذه الدولة ومسؤوليتها مرتبطتان بما يوفقنا الله لانفاقه عليهما اداء للواجب واضطلاعاً بالمسؤولية وهو واجب ومسؤولية لا نرجو من ورائهما شكراً او ثناء من احد وانما نرجو المثوبة والاجر عند الله هكذا كانت رؤية الملك فهد رحمه الله لمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة.. الجدية في تحقيق اضخم مشاريع التوسعة والتطوير والتجميل للمدينتين المقدستين خدمة للاسلام والمسلمين وطلباً لرضا الله تعالى. وقد انجز رحمه الله تلك الرؤية التي شغلت تفكيره بتنفيذ التوسعة العملاقة في الحرم المكي والحرم المدني سعياً في ابرازها في المكان المناسب لقداستها ومكانتها وتنازل رحمه الله عن جميع الالقاب ليختار لقب خادم الحرمين الشريفين وهو ما اعلنه في المدينةالمنورة فاتخذ من هذه التسمية وسام عز وشرف يسطره له التاريخ على صفحاته، فسخر كل امكاناته وطاقاته لاعمال الخير واهتم بتعبيد الطرق وانشاء الانفاق واقامة الجسور وتوفير المياه المبردة والمستشفيات المتنقلة في كل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والمشاعر المقدسة ووسائل الاتصالات الحديثة ووسائل النقل المريحة المكيفة وتسهيل اجراءات الدخول والمغادرة عبر بوابات المملكة البرية والبحرية والجوية. مكةالمكرمة في قلب المليك اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بمكة المكان والحرم والبيت العتيق فكان ان دعا الى عقد مؤتمر القمة الاسلامية الاستثنائية في مكةالمكرمة والاعلان عن انشاء هيئة البيعة من مكةالمكرمة في الثامن والعشرين من رمضان عام 1427ه ورعاية مؤتمر الحوار بين اتباع الاديان الذي انطلق للمرة الاولى من مكةالمكرمة بالاضافة لرعايته للقاء الحوار بين الفصائل الفلسطينية بمكةالمكرمة لايمانه بالمكانة الاسلامية التي تحتلها مكةالمكرمة في قلوب المسلمين في اصقاع العالم. كما اطلق مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم الشريف وتوسعة المسعى لتمثل اكبر توسعة يشهدها الحرم المكي في تاريخه بالاضافة الى اعتماد مشروع طريق الملك عبدالعزيز ومشروعات جبل عمر ووقف الملك عبدالعزيز ومشروع الشامية والتي تقع جميعها في قلب المنطقة المركزية للحرم الشريف لتحقيق تطلع القيادة للوصول بهذه البقعة المباركة نحو العالم الاول يضاف الى ذلك مشروع منشأة الجمرات الحديثة ومشروع قطار الحرمين الشريفين ومشروع قطار المشاعر المقدسة ولا تزال العاصمة المقدسة تشهد العديد من المشروعات التطويرية في هذا العهد الزاهر.