لدى بعض المعاصرين من المنظرين، الذين يدعون أنهم تنويريون وهمٌ عبر إسقاط الحاضر على الماضي، ويعتبرون كل ما جرى في الماضي هو نفسه ما يتحدثون عنه بأوهامهم في الحاضر، فإن كان لتحويل القصص إلى تمثيليات أو افلام نحتاج إلى فني يجيد صنع سيناريو لهذا التحويل، فقصص القرآن العظيم في نظرهم الكليل أفضل انواع السيناريو على الاطلاق، في استهتار يبلغ اقصى المدى بكتاب الله عز وجل، وإذا ضرب سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا يقرب به إلى الاذهان ما قدر الله لعباده من الآجال بخط يخطه في الارض، زعموا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام قد استخدم الفن التشكيلي، واذا كان قد ورد حديثٌ عن أرض بحذو أرض العرب تدور حولها الشمس أربعين يوماً ماعصوا الله طرفة عين نسبوا إلى سيدي أنه يبتكر الخيال العلمي بزعمهم، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن شجرة تشبه المؤمن وعنى بها النخلة زعموا أنه يستخدم الفوازير، وكل ما ضرب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً ليقرب المعاني إلى أذهان من دعاهم إلى الخير من البشر، اتخذوا من ذلك وسيلة للاثبات أن هذا لون من التمثيل، وعليه فتجسيد ممثل لشخصيته - صلى الله عليه وآله وسلم - من نظرهم السقيم جائز شرعاً، في استدلال متهافت حتمًا، ولا يمكن أن يطرأ على ذهن عالم بهذا الدين أصلاً، حتى وإنْ ادعى مثل هذا أنه أزهري أو واعظ، فمن يقول:(إن المولى عز وجل كتب أعظم السيناريوهات في القصص القرآني) لم يعرف قط هذا العلم المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد طالب هذا السقيم الفهم لنصوص الكتاب والسنة بأن يجسد سيد الخلق خير رسل الله وخاتم أنبيائه سيدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويزعم أنه يمكننا أن نجد ممثلاً يشبهه جسمانياً، بل ويستشهد بقول الله تعالى:(يا أيها النبي لَمِ تحرم ما أحل الله لك) وبقوله عز وجل (وضربنا لكم الأمثال)، على إباحة ما يدعو إليه، ثم يجد من يروج له أقواله السقيمة هذه في الاساءة المتعمدة إلى كتاب الله وإلى سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتناوله عبر منشورات رديئة فرحًا به، وبعيداً عن التحليل والتحريم فمكانة سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم فيما بلغه عن ربه، تأبى ذلك وهو إن كان بشراً فهو حتماً ليس مثل البشر بما أوتيه جسداً وروحاً، علماً ومعرفة، بل ويفوقهم كلهم، ويتحدث هؤلاء المروجون الأغبياء لفكرتهم هذه بأن صون مقام سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن يدَّعي أحد مشابهته له أو مماثلته ولو في فيلم عابر، إنما هو في نظرهم السقيم حجر على حرية الرأي والتعبير، وكأن حرية التعبير لا تكتسب إلا إن كانت بالإساءة إلى مقامه - عليه الصلاة والسلام - وكما يروجون لفكرتهم السقيمة بأن تأثير فيلم واحد يصنعونه بجهلهم عن سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفوق بزعمهم آلاف الكتب والمحاضرات والخطب، وسوف يصل إلى الغرب بسهولة، مما يساهم بزعمهم في تصحيح صورة الإسلام المغلوطة لدى الآخر، وما علموا أن الغرب معهم داعٍ لما دعوا لا ليصحح صورة الإسلام، وإنما ليستزيد من التشويه لها، بما سيزعمه له ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النقائص، وحاشاهما أن تكون لهما نقائص، وهم يعلمون يقينًا أن الغرب أباح تجسيد نبي الله عيسى بن مريم - عليه السلام - في أفلام سينمائية اتخذت من وسائل الإساءة إليه ألواناً، بلغت حد نفي النبوة عنه والرسالة والإسلام لا يصحح الصورة عنه سوى أن يعلم الناس حقيقة أحكامه، وما يحققه للبشر إذا اعتنقوه عن إيمان صحيح، يسير حياتهم نحو الأفضل، فالذين حملوه إلى الناس عبر سلوكهم المنطبق على ما يدعون إليه من محاسنه في عمل وخلق اجتذب الناس إليهم وحتمًا أمثال هؤلاء لا يستطيعون فعل مثل هذا، فهم ليسوا من أهله، ولن تسعفهم مئات الأفلام يعدونها بجهل أن يقدموا بها الإسلام في صفائه كما جاء به سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي عرفه أتباعه بشمائله وصفاته خَلقاً وخُلقاً التي رصدها لهم من عاشوا معه، وما كان أحدهم يملأ منه البصر إجلالاً له، عرفوا له مقامه فأحبوه واتبعوه ونقلوا كل هذا إلى من بعدهم، وتناقلته الأجيال حتى يوم الناس هذا، ولم يحتاجوا إلى ما يزعمه هؤلاء من تمثيل وتجسيد، فسيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاضر في أذهاننا نتواصل معه من خلال تراثه الذي بين أيدينا، نحبه أكثر من حبنا لأنفسنا ومن والدينا وأولادنا والناس أجمعين، مكانته أسمى من أن نسمح لأحد بالاقتراب منها بإساءة من أي لون، فهل يفقه هؤلاء؟ هذا هو ما نرجوه والله ولي التوفيق.