ودّع يوم أول أمس الثلاثاء الشعب السعودي -بمشاركة من قادة، وزعماء، ورؤساء وفود، وعلماء من دول عربية وإسلامية- فقيد الأمّة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز. كان مشهدًا مؤثّرًا، ووداعًا حزينًا، تقدّمه خادم الحرمين الشريفين، والأسرة الملكية الحاكمة. لقد كان يوم وداع سلطان واحدًا من أكثر الأيام طولاً وحزنًا على المملكة، وقيادتها، وشعبها. فقد شعر كل مواطن وكأنه فَقَدَ أبًا، أو أخًا، أو حبيبًا، وكأنّ سلطان واحد من أفراد عائلته القريبة. ويصعب على مَن يتناول الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام -رحمه الله- يصعب عليه أن يقول فيه ما لم يقله آلاف غيره ممّن كتب في سيرة الرجل، ومركزه، ومنجزاته، فهو قيمة كبيرة لا يمكن الإلمام بكافة أبعاد شخصيته الفذّة، أو سيرته العطرة، أو أن يحيط بما في قلوب الملايين من محبيه في شرق البلاد وغربها، بل وخارج حدود البلاد التي شهدت كثيرًا من إنجازاته. هل نتحدّث عن حياته السياسية التي بدأت في عام 1362ه، عندما عيّنه والده الملك عبدالعزيز رئيسًا للحرس الملكي. أو تولّيه لإمارة منطقة الرياض في عام 1366ه، أو عمله وزيرًا للزراعة عام 1373ه، أم توليه وزارة المواصلات بعدها بسنتين في عام 1375ه، أو توليه واحدة من أهم الوزارات السيادية، وهي وزارة الدفاع والطيران، التي تولّى مسؤوليتها حتى وفاته -رحمه الله- إلى جانب ولاية العهد فيما بعد. إنها حياة طويلة حافلة بالمنجزات الكبيرة، التي يعجز مقال محدود أن يحيط بها، وتحتاج إلى مؤلّفات عديدة تتناول فكره، وفلسفته السياسية. لكن سلطان بن عبدالعزيز لم يكن مجرد رجل سياسة تسلّم وزارة، أو تبّوأ إمارة، أو منصبًا رسميًّا.. بل هو إنسان كبير، ذو قلب اتّسع لكل مَن قصده من أبناء شعبه. وهناك الكثير من قصص الخير يعجز المراقب عن الإحاطة بها للكثيرين ممّن ضمّد سلطان الخير جراحهم، والمواقف المبادرة والداعمة التي لا تغيب عن ذاكرة الشعب السعودي، الذي عرف الأمير سلطان بجوده، وأصالته، وإنسانيته. وما قد يُكتب لا يصل، ولا إلى القليل من ما يمكن أن يقوله كُتّاب سيرته، أو مَن قام باستعراض حياته المليئة بالعمل الجاد من أجل خدمة بلاده، وشعبه، وأياديه البيضاء على الكثيرين. إن هناك الكثير ممّا لا يمكن الإحاطة به، وقوله في هذا الحيّز الضيّق، فلقد تمكّن سلطان الخير من قلوب الشعب السعودي، بل وشعوب العالم كافة. فقد ملكها بكرمه، وعطائه؛ حتى أصبح هو ذاته مؤسسة خيرية، لقّبه الناس ب»سلطان الخير». لذا فلقد فقدت الأمة العربية والإسلامية في شخصه شخصًا من الصعب أن يتكرر. شخصًا في أمة أحبها فأحبته. گم هو حزين صباحك أيُّها الوطن بلا (سلطان الخير).. لكن وكما يقول أحد القرّاء في فقد سلطان الإنسان، بأنه وإن رحل سلطان فهو «يفارقنا جسدًا فقط، وإلاّ فمآثره -يرحمه الله- كثيرة. * فسيبقى (سلطان) في وجوه الأطفال.. * سيبقى (سلطان) في أعين الثكالى والمحتاجين.. * سيبقى (سلطان) في عيون (مَن كانوا يُعدّون أمواتًا).. * فحرر رقابهم من سطوة (السياف).. * سيبقى (سلطان) ما بقي الجود والإحسان.. * سيبقى (سلطان) ما بقي للخير مكان.. * وما بقيت (المروءة) عنوان الرجال.. * على مثل (أبي خالد) تهتز قلوبنا أسى ولوعة.. * وعلى مثل (أبي خالد) تنتحب الدار.. اللهم إن عبدك سلطان قد أقبل إليك.. وهو الآن في ذمتك، فأكرم نزله، وارحمه، واعفُ عنه، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جازه بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، واجمعه في جنات الفردوس مع النبيين والصديقين.. آمين.