في الوقت الذي كنت -وغيري من الملايين من أبناء هذا الوطن العزيز الأوفياء- نتطلع فيه لعودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز مشافى معافى، فوجئنا بخبر وفاته، كنّا نُمني أنفسنا بأن يطلّ علينا ب(بِشْتهِ) ذاك الذي وصفه شاعر كويتي في قصيدة له بأنه: (يذري عن عجاج المعاصير).. لكن القدر كان أسرع من أن نحظى بتلك (الطلَّة) التي تداوي جراح المرضى، وتفك ضيق المعسرين، وتحرّر الرِّقاب، وتغيث الملهوفين. لا نعترض أمام القدر الذي يتخطف الأعزاء من أهلنا، وأقاربنا، وأصدقائنا، ولكنه يؤلمنا حينما يكون الفقيد بحجم (سلطان بن عبدالعزيز) صاحب الأيادي البيضاء، يؤلمنا لأننا نظن بأن رافداً من روافد الخير قد «حُبس»، وإن عبداً صالحاً سخّره الله لأعمال الخير قد (قُبض). وقد وجدت بأنَّ الشاعر الكويتي (حامد زيد) قد عبَّر عن شعور كل الذين امتدت إليهم يد (سلطان بن عبدالعزيز) الحانية، عبَّر عنها بقصيدة طويلة اخترت منها هذا الجزء البسيط الذي يقول فيه:- بِشْت يذري عن عجاج المعاصير ووجه يرد أرواحنا بابتسامة وكفّ يجود بلا حدود وشهامة ما بعدها شهامة أكرم من اللّي ماخذ الجود تبذير وأصدق من عتاب الخُوي في خصامه وأشد من ضرب السيوف الشواطير واجَلْ من وصف يحدد مقامه إن أعمال الراحل الإنسانية لا تقف عند حدود، ولا يمكن أن يُحصر عددها، ذلك لأن أكثر أعماله الخيرية لا يعلن عنها ابتغاء لمرضاة الله، وسجل سموه حافل بأعمال خيرية كثيرة، لعل في مقدمتها، وما هو معلن عنها «مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية» والتي تستهدف أعمال إنسانية واجتماعية تتمثل في تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، وأيضا «لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز» والتي تقدم خدمات إنسانية وإغاثية طارئة لبلدان إفريقية، وتُسَيِّر قوافل إغاثية وطبية لمكافحة الأمراض الشائعة في تلك البلدان، كما تقوم ببناء المدارس والمكتبات العامة والمساجد والمستشفيات ومراكز لغسيل الكلى، علاوة على تدعيم سموه للأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية وعلوم التقنية. وفي هذا الجو الحزين الذي نستقبل فيه جميعا (التعازي) في (سلطان الخير) نتخيل وكأن الشاعر العربي «زياد الأعجم» بيننا، يخترق الصفوف ويلقي قصيدته: سألناه الجزيل فما تأبَّى فأعطى فوق منيتنا وزادا وأحسن ثم أحسن ثم عدنا فأحسن ثم عدت له مفادا مراراً ما دنوت إليه إلاَّ تبسَّم ضاحكاً وثنى الوسادا رحم الله (سلطان بن عبدالعزيز) الذي أشعل في نفوس الكثير مصابيح الأمل حريةً، ودواءً، وكساءً، وأسكنه فسيح جناته. [email protected]