** حظيت المدينةالمنورة باهتمام كبار المؤرّخين، وفي مقدمتهم المؤرّخ المشهور علي بن عبدالله بن أحمد الحسني السمهودي (844-911ه/ 1440-1506م)، وللسمهودي كتب عديدة في تاريخ المدينة منها «وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى»، و»اقتضاء الوفاء بأخبار دار المصطفى»، و»خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى»؛ وهو مختصر «وفاء الوفا»، وكتاب «الوفا بما يجب لحضرة المصطفى». ** وقد فصّل الشيخ العلامة حمد الجاسر -رحمه الله- عن السمهودي وحياته في المقدمة التي كتبها للكتاب الهام «رسائل في تاريخ المدينة»، وقد أفاد السمهودي من مُؤلِّفين قبله للبقعة الطاهرة من أمثال: أبو بكر بن حسين المراغي، والزبير بن بكّار، وعبدالصمد بن عبدالوهاب بن عساكر، وعبدالله بن عبدالملك المرجاني، وعبدالله بن محمّد بن أحمد المطري، وعبدالله بن محمّد بن فرحون، وعمر بن شبّه النميري البصري، ومحمّد بن أحمد المطري، ومحمّد بن الحسن بن زبالة، ومحمّد عمر الواقدي، ومحمّد بن محمود النجّار، ومحمّد بن يعقوب الفيروز آبادي، وسواهم. [انظر كذلك «المدينةالمنورة بين الأدب والتاريخ، عاصم حمدان، ط1 1412ه / 1991م - إصدارات نادي المدينة الأدبي]. ** وفي هذه المقالة نسعى جاهدين للكشف عن جانب آخر مرافق للجانب التاريخي للمدينة المنورة، والذي حظي باهتمام بعض علمائها وأدبائها؛ ألا وهو الأدب وفنونه، حيث إنه لم يُهْمَل هو الآخر، وقد تصدّى لهذه المهمة في العقود المتأخرة الأديب عمر بن عبدالسلام الداغستاني، المتوفّى بعد عام 1201ه / 1786م، حيث ألّف كتابه «تحفة الدهر ونفحة الزهر في أعيان المدينة من أهل العصر»، وتوجد من هذا الكتاب نسخ مخطوطة موزّعة على مكتبات العالم، حيث تحتفظ مكتبة طوبقبو سراي باستانبول بنسخة خطية تحت رقم 152. وظاهر من المقدمة أنّ النسخة مكتوبة بخط المؤلّف، ويوجد على حواشي النسخة في غير موضع منها ما يشير إلى أنّها مِن وَقْف حكمت الله بن عصمة الله الحسيني. ** ويشير الباحث حمادي التونسي أنّ ختم مكتبة عارف حكمت التي كانت تقوم بالجهة الجنوبية للمسجد النبوي الشريف قبل التوسعة الأخيرة لحرم النبوي الشريف، والتي أقامها صاحبها سنة 1270ه / 1853م، وأوقفها على بلد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم حبًّا وتقربًا لله ورسوله. ** هذا الختم كما يشير الباحث حمادي يحمل اسم أحمد عارف حكمت الله بن عصمة الله الحسيني، وربما أشار الختم الموجود على نسخة «طوبقبو سراي» أنها من المخطوطات التي تسربت بطريقة وأخرى من المدينة إلى تركيا، وخصوصًا إذا ما علمنا أنّ المكتبة قد تمّ نقلها أثناء تهجير أهل المدينة، فيما عُرف باسم سفر برلك سنة 1333ه؛ أي في أواخر عهد الدول العثمانية، وخلال الحرب العالمية الأولى، إلاّ أنه عندما وصلت المكتبة بمخطوطاتها الهامة إلى مدينة دمشق حتّى اشتدّت الحرب الكونية الأولى، فبقيت هناك حتى أعادها الملك فيصل بن الحسين بعد دخوله سوريا إلى المدينةالمنورة 1337ه/ 1918م. وقد زوّدني بهذه المعلومة الشيخ جعفر بن إبراهيم فقيه، والذي عاصر العهود الثلاثة، وكان مسؤولاً عن مكتبة المدينة العامة في بداية الثمانينيات الهجرية. [عن هذه المكتبة وما يتصل بها يمكن الرجوع إلى رسالة الماجستير الموسومة «المكتبات العامة بالمدينةالمنورة -ماضيها وحاضرها- من إعداد الباحث حماد علي التونسي، وبإشراف الأستاذ الدكتور عبّاس صالح طاشكندي، جامعة الملك عبدالعزيز 1401ه /1981م]. ** النسخة الثانية من مخطوطة كتاب الداغستاني، هي نسخة مكتبة المدينةالمنورة العامة رقم «1288»، ويعود تاريخ نسخها -كما هو موجود في الركن الأيسر من أعلى صفحة العنوان- إلى سنة 1299م، والمخطوطة تشغل حوالى 255 صفحة من القطع الصغير، ويتكرر في هامشها ما نصه «قد استنسخه الفقير إلى ربّه السيد زين صافي»، وقد أُلحقت مكتبة السيد الصافي الجفري بمكتبة المدينة العامة. ** النسخة الثالثة -المتوفرة بين يديّ- هي نسخة كيمبردج بالمملكة البريطانية المتحدة، ويذكر ناسخها أنه انتهى من نسخها في شهر صفر سنة 1202م، ويوجد أسفل مقدمة المخطوطة أبيات للمؤلّف نفسه في مقطوعتين باللغة الفارسية. وسوف نتابع الحديث عن كتاب التحفة للداغستاني وأهميته الأدبية في سياق حقبة القرن الثاني عشر الهجري، والتي شهدت تأليف مؤلّفات عدة تتصل بتاريخ المدينة الاجتماعي والإداري والفكري والأدبي. وهذا السياق هو الذي مهّد لظهور مدرسة أدبية مشهورة في نهاية القرن الثالث عشر، وبداية القرن الرابع عشر الهجريين؛ وهي مدرسة عبدالجليل برّادة المدني، وتلميذه إبراهيم الأسكوبي، وهما من روّاد الشعر السياسي في الجزيرة العربية في العصر الحديث. (*) أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز والباحث في تاريخ المدينة المنورة