عندما قامت ثورة الضباط الأحرار المصرية عام 1952م تعلقت قلوب الشعوب العربية عامة والشعب المصري خاصة بآمال كبار وطموحات واسعة المدى خاصة عندما أعلن جمال عبدالناصر النظام الاشتراكي والتأميم والقضاء على الإقطاع والإقطاعيين وتطبيق نظام الإصلاح الزراعي، وها هي ستون عامًا مضت على تلك الثورة ومرت بعدها عهود من الحكم السياسي على أرض مصر الحبيبة وكانت النتيجة خروج الشعب بأكمله في ميدان التحرير رفضًا للنظام الديكتاتوري الطاغية الذي أفقر الشعب وجعله يهيم في أرض الله طلبًا للقمة العيش وهروبًا من ظروف المعيشة القاسية التي حرمت مصر من عقول وجهود خير أبنائها وعقولها، وانكشفت الحقائق المريرة عن مدى التلاعب الذي كان يمارسه نظام الحكم الاستبدادي وعصاباته طيلة عقود. وعلى أرض الشام سوريا الحبيبة نشاهد الصورة نفسها فمنذ قيام حسني الزعيم بإعلان البيان رقم واحد عام 1949م وحتى اللحظة لم تتمكن سوريا من اللحاق بركب الدول المتقدمة ولم يتمكن المواطن السوري من جني خيرات بلده بل أصبح من المهاجرين الدائمين في أرض الله الواسعة بحثا عن لقمة العيش بكرامة وحفاظًا على طاقاته وقدراته، وها هو الشعب السوري اليوم يعاني الأمرين على مرأى ومسمع العالم ويصر نظامه الحالي على نفي كل أخبار القتل والتدمير التي يرتكبها وكأنه الوحيد الصادق الأمين والعالم كله لا يعي ولا يرى!! وفي ليبيا تتكرر القصة نفسها فعندما قام العقيد أبو زنقة زنقة بالانقلاب على الملك إدريس السنوسي وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على ثورته لم يتحول الشعب الليبي إلى العيش في مستوى خمسة نجوم أو على الأقل ثلاث نجمات، وإنما بات مشردًا في أنحاء الأرض هربًا من بطش النظام وغدره وظلمه ونهبه لخيرات البلاد والعباد، بعد أن كان هذا المواطن ينعم بالمال الوفير والحياة الآمنة والعيش الرغد، وهو اليوم يواجه أسلحة مجرمة دمرت البلاد وقتلت العباد، وبإذن الله سيتحقق النصر حتى النهاية على العقيد المزنوق!! وليس تونس ببعيدة عن القصة لأنها تكررت ابتداء من عهد بورقيبة حيث ثورة الخبز وحتى هروب بن علي واندلاع شرارة الثورات الشعبية العربية الحديثة، وقد اتضحت كثيرًا من خفايا النظام البائد فقد أجرم في حق شعبه وبلده، ولم يُوفِّر للمواطن العيش الكريم، رغم أن بورقيبة كان يُعرف بالمجاهد الأكبر، لكنه كان يُمارس كثيرًا من البطش والتنكيل بالعلماء والمعارضين وحرم الشعب من الحياة الكريمة مما دفعه إلى الخروج على الظلم وبدء عهد جديد..! ولا يختلف وضع العراق عن سائر الدول العربية التي عاشت عبودية الفرد، وجور الحاكم المتسلط عقودًا طويلة بعد قيام الثورة على الحكم الملكي في أواخر الخمسينيات الميلادية، وهو اليوم وبعد القضاء على نظام صدام حسين يعيش مرحلة لا تقل سوءًا عن ماضيه القريب بل ربما ستكون الأسوأ نظرًا لانقضاض الطائفية البغيضة على كرسي السلطة، وتمكن فئة بعينها بدعم خارجي قوي ظاهر وخفي، نسأل الله أن يلطف بشعب العراق، وأن يهيئ له حكومة راشدة تجعل مصلحة البلاد والعباد فوق مصالح الأجنبي الطامع في خيرات العراق. هذه الصور المختلفة نموذج لما يخشاه المخلصون من أبناء الأمة العربية من تكراره بعد الثورات الشعبية التي أنهت حكم طغاة حكموا العباد ودمروا خيرات البلاد عقودا مريرة، ولذلك لا بد أن يتنبه كل وطني مؤمن بربه إن أتيحت له فرصة أو مشاركة في مسيرة بناء الدول العربية التي خلعت عنها حكامها الطغاة المستبدين أن لا تستبدلهم بآخرين قد يكونوا أشد من سابقيهم، وأن يكون في القوانين والدساتير الجديدة ما يحمي حقوق البشر ويحافظ على الحجر ولا يرمي بمصالح الأمة في أحضان العدو المتربص مرة أخرى.