البطالة، وتوطين الوظائف في المملكة العربية السعودية هما بمثابة «قضية» و»حَل»، لم تجمعهما بعد آلية شاملة لجميع قطاعات العمل؛ من أجل تنفيذ هذه المهمّة الوطنية التي صُنّفت على أنها من الأولويات على أجندة المسؤولين. خلال الجلسة الماضية التي عُقدت مؤخرًا، «فاجأت» لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى أعضاءها بالتوصية بِ(سعودة السفارات، والقنصليات السعودية في الخارج، وكذلك إتاحة الفرصة للشباب السعوديين للعمل في السفارات والقنصليات الأجنبية في المملكة)، وتسببت في تساؤل أعضاء المجلس عن مغزى هذه التوصية على الرغم أنهم لم يعارضوها، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة (الحياة) السعودية يوم السبت الماضي بتاريخ 17 سبتمبر 2011م. وتماشيًا مع ردة فعل أعضاء مجلس الشورى الموقرين من عناصر «المفاجأة»، و»التساؤل»، و»عدم الاعتراض» على توصية لجنة الشؤون الخارجية، فإنني كمواطن مهتم بشأن البطالة، أشاطر أعضاء المجلس نفس ردة الفعل. وتفسيرًا لردة فعلي، فإن عنصر «المفاجأة» لديّ كانت بسبب توجّه بعض أعضاء مجلس الشورى ولجانه نحو تقديم حلول موضعية، لا تُقدِّم حلاً جذريًّا لتقليص نسبة البطالة التي وصلت إلى معدلات قياسية تجاوزت المليون ونصف المليون عاطل. وقد سبق أن قدَّم عدد من أعضاء المجلس توصيات في شأن توطين الوظائف، ولم يُحقِّق الطرح المستوى المأمول، ومنها على سبيل المثال، مطالبة رئيس لجنة الأسرة والشباب والشؤون الاجتماعية في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري خلال إحدى جلسات شهر مارس الماضي بتوطين وظائف العاملات المنزليات، وقد تسببت هذه المطالبة في استنكار عدد كبير من شرائح المجتمع السعودي، الذين رأوا بأن هذه التوصية تسيء للمرأة السعودية، خاصة وأننا دولة نفطية غنية، وبإمكاننا إيجاد فرص عمل أرقى اجتماعيًّا، ولنا العبرة في ردة فعل أشقائنا في دولة اليمن، التي تصل نسبة الفقر فيها قرابة ال71% حول هذا الشأن، عندما صرّح نائب وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني يوم الأحد الماضي بتاريخ 18 سبتمبر 2011 بالسماح باستقدام العمالة المنزلية من اليمن؛ ممّا أدّى إلى استنكار أشقائنا اليمنيين بشدة، دفعت وزارة العمل في اليوم التالي للاعتذار، وإبداء احترام ثقافة وعادات المجتمع اليمني، والتوضيح بأن العمالة المنزلية المقصود منها الرجال فقط. ومن هذا المنطلق تأتي ردة الفعل «بالتساؤل»: هل مجلس الشورى متوجّه نحو البحث عن وظائف شاغرة لتوطينها، أم الشروع في إقرار إستراتيجية وطنية لسعودة قطاعات العمل في المملكة العربية السعودية؟! لقد كانت الطموحات التي نتمنى أن يتبناها مجلس الشورى هي قيام اللجنة القانونية للمجلس برفع توصية بِ(سن قوانين وتشريعات محلية تفرض مفاهيم حديثة لمعدلات التوطين في جميع قطاعات العمل السعودية بشقيها الحكومي والخاص، وبنسبة تحترم الديموغرافيا السكانية، وتتحور بشكل قانوني لتوافق مبادئ أنظمة العمل العالمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وتتصدّى بشكل قانوني لتيارات عولمة قطاعات العمل، وعدد من مواثيق منظمة التجارة العالمية، وكل ذلك من أجل تحقيق عدالة اجتماعية توجد توازنًا بين العمالة الوطنية والأجنبية). وعلى الرغم من توسع قوانين منظمة العمل الدولية التي جعلت العولمة مبدأً أساسيًّا لتحقيق العدالة الاجتماعية، يجب أن نضع في الاعتبار أن هذه القوانين تتطور وقابلة للتعديل بشكل يجيز إيجاد توازن اجتماعي واقتصادي، ونجد لذلك شرحًا في البند السادس عن العمالة، والذي طرح في الدورة ال99 لمؤتمر العمل الدولي العام الماضي. وتاريخيًّا.. لقد سبق وأن نقضت الولاياتالمتحدة «ميثاق هافانا» عام 1947م، عندما وجدته يخل بموازين اقتصادها وسيادتها، وتم تعديله إلى عدة صيغ أخرى نشأت عنها اتفاقية «الجات» 1948م. وحتى يكون الطرح منطقيًّا، وواقعيًّا في هذا الشأن، فإن وزارة العمل بذلت جهدًا مميّزًا في إطلاق برنامج «نطاقات» مطلع العام الحالي، والذي يهدف إلى توطين الوظائف في القطاع «الخاص»، والحد من البطالة وفق معايير قانونية وإلزامية، إلاّ أن هذا البرنامج لم يصل إلى صيغة شاملة للتوطين في جميع قطاعات العمل على الشقين الحكومي منها والخاص. وأضف إلى ذلك أن برنامج نطاقات -بحسب تحليل عدد من الخبراء الاقتصاديين- يعاني من خلل خطير في آلية احتسابه معدل السعودة، وقد صرح بذلك سابقًا المحلل الاقتصادي عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية لصحيفة (الوطن) السعودية بتاريخ 10 سبتمبر 2011 بأن «دخول الشركات الكبرى في النطاق الممتاز والأخضر يؤكد هذه الحقيقة الخطيرة، إذ إنها تعد المتسبب الأول في ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين، كما أنها تمثل الشركات الأكثر استقدامًا للعمالة الأجنبية». البطالة في المملكة هي بطالة غريبة ومختلفة عن باقي دول العالم، حتى وإن اشتركت في بعض أنماطها مع تلك التي صنفتها منظمة العمل الدولية، مثل البطالة المقنعة والاحتكاكية والموسمية وغيرها، ولكن يكمن اختلافها في أنها نتجت إلى حد كبير بسبب زيادة نسبة العمالة الوافدة النظامية وغير النظامية في مختلف قطاعات العمل إلى حد تسبب في حجب العديد من الفرص الوظيفية للسكان المحليين، وذلك لأسباب عديدة ومختلفة يصعب سردها في حيز هذا المقال، ولكن من أبرزها هو عدم وضع معايير لضبط الاستقدام تحد من هذه الظاهرة، وهو ما أكده نائب وزير العمل السابق الدكتور عبدالواحد الحميد في ورقته البحثية: (سياسات التوظيف بالمملكة)، بأن أبرز مسببات ارتفاع البطالة هو «اعتماد القطاع الحكومي في الماضي على توظيف السعوديين دون إلزام القطاع الخاص بتوظيف بنسب محددة وصارمة». وعليه.. تتضح الأسباب والحلول، ولكن تبقى البطالة التي وصفتها المفكرة العالمية جين آدامز: «من ضمن جميع أوجه البؤس الاجتماعي، البطالة هي الأكثر حسرة» (1910م).