قال صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية: إن المملكة العربية السعودية ستواصل ملاحقة فئات الضلال والفساد والقتل والتدمير، وستكون في مجتمعها الدولي أداة سلم وسلام، تدعو لخير البشرية وتقاوم مدّ الشر وتعاديه، مؤكداً أن الدولة لا تصادر حرية الرأي لأحد ما دامت ضمن إطارها المشروع، لافتا سموه أن القضايا الاجتماعية تبقى في دائرة النقاش بين أفراد الوطن الواحد، أما من فتح أبواب «التيه» فسيكون صاحبه على محك السؤال ديناً ودنيا. جاء ذلك في كلمة ألقاها سموّه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال افتتاح سموّه مساء أمس للمؤتمر العالمي عن ظاهرة التكفير الذي تنظمه جائزة نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة بمشاركة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ويقام بالمدينة المنورة. وأضاف سموّه مخاطباً الباحثين وضيوف المؤتمر: إن اجتماعكم اليوم على محاضر هذا المؤتمر العالمي عن ظاهرة التكفير يعدّ من القضايا الملحة حيث الحوار قائم ومرتكز على الكتاب والسنة الذي حذر أشد التحذير من الانزلاق للتكفير بغير علم ولا هدى، وهو مسلك فئة ضلت عن أصول الشريعة وقواعد الإسلام التي بيّنها العلماء المخلصون، الذين لم يتركوا في هذا زيادة لمستزيد والذين نفوا عن هذا الدين تحريف الغالين، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. مكامن قوة الدين وقال سموه: أيها الإخوة، إن من استقرأ تاريخنا الإسلامي واستنطق فصوله ومشاهده واطلع على أسباب قبول الإسلام والتصالح معه عبر التاريخ يعلم الحقيقة ويدرك مكامن قوة هذا الدين الحنيف، الذي نهى شرعنا عن الغلو فيه أو التقول على شرع الله بالغلو أو التأويل أو التكلف، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وهذا الغلو هو مدخل ضلال الناس وخروجهم عن الإطار الشرعي والمحكم لدين الله الذي استقر بحمد الله في قلوب العالمين علماً وإداركاً. انتشارالدين لم يكن بالغلو وأوضح سموه أن هذا الانتشار للدين الإسلامي بعالميته ونبل مقاصده لم ولن يكون بمفاهيم الغلو والتطرف وأدوات التخريب والتدمير والاعتداء على النفوس البريئة التي قال الله تعالى في مقترف جُرمها: «من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»، وقال سبحانه: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل مُعاهداً لم يرحْ رائحة الجنة». وأكد سموّه أنه لا يشك مسلم أدرك حقيقة الإسلام أن الاعتداء على النفوس البريئة بالتأويلات الفاسدة يتحقق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة».. مضيفا : إن ما نطرحه في هذا الشأن هو بيان وتبرئة لفكرنا الإسلامي الأصيل، ويكفي أن من لا يدين بالإسلام بوسطيته واعتداله قد اكتوى بأدوات التطرف، ونحن نؤكد أن دين الله الوسطية بين الغالي فيه والجافي عنه وهو قول الحق سبحانه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، وقوله صلى الله عليه وسلم : «هلك المتنطعون». وأضاف سموّ الأمير نايف: لقد أرسل الله تعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم شاهداً ومبشراً ونذيراً وبعثه بالحنيفية السمحة بالرحابة والسعة ومكارم الأخلاق والعفو والصفح والرحمة بالناس وإحسان الظن بهم، ولقد حذرت شرعية الله من التساهل في أمور يسيرة لا تبلغ حد التفسيق فكيف بالتكفير وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»، وعلق سموه على هذا بقوله: هذا الحكم الشرعي في منتهى الخطورة وإذا كان سباب المسلم فسوقاً فكيف بتكفيره؟ وقال : إن المتأمل في الشروط والضوابط التي وضعها علماؤنا في التكفير يقف أمام حواجز بالأدلة الشرعية تمنع من الانزلاق في المنحدر الخطر. ولقد عانينا كما عانى غيرنا من مجازفات التطرف وضلال الفكر، لكن تطور الأمر إلى أعمال تخريبية إفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل ومكر بالليل في مد من الضلال لا بد لنا من مواصلة التصدي له بحزم ولن نفرح بهذا في شيء كما نفرح بهداية من ضل السبيل وهو منهجنا مع كل موقوف على ذمة الانحراف الفكري. التغرير بأبنائنا وأكد سموه: لقد غرر بأبنائنا فئات نعلم ما وراءها وما تريد من السوء لهذه البلاد فضلاً عن فئة أخرى، وحسبنا أن مجتمعنا الإسلامي ينبذ بفطرته السليمة الأفكار الضالة ولن نصادر أحداً في حرية فكرية ما دام في إطاره المعتدل، ولن نرضى بالمساس بثوابت عقيدتنا، فهذا هو دستورنا وهذه عقيدتنا وسنكون مع غيرنا أرحم من غيرنا بنا والأيام دلائل وشواهد على أقوالنا وأفعالنا، وسنكون في مجتمعنا الدولي أداة سلم وسلام ندعو لخير البشرية ونعادي مد الشر ونقاومه ونبرأ إلى الله من أي قول وفعل يحسب على تاريخنا وتراثنا ونحن من براء، وسجلنا مفتوح لكل طالب حق ومتجرد، ولقد عانينا مثل غيرنا، ولن يهدأ لنا بال حتى نستأصل هذا الفكر من أرضنا. قضايانا في دائرة النقاش وقال سموه : أما قضايانا الاجتماعية الأخرى فهي في دائرة النقاش بين أفراد الوطن الواحد وغالب الأطروحات لا تخرج عن أن تكون أطروحات اجتماعية لها الصدارة في النفس يقررها المجتمع بعقلائه، وسيكون كل متسبب في فتح أبواب التيه المهلك على محك السؤال دنياً وديناً، وسنواصل بعون الله ملاحقة الفئات الضالة والفاسدة والله غالب على أمره «ولكن أكثر الناس لا يعلمون». وختم سموه بقوله: نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ويلهمنا رشدنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. كما أسأل الله تعالى أن يسددكم ويبصركم ويجعل التوفيق والصواب حليفكم ولا يحركم الأجر والثواب. التكفير أول الفتن ظهورا وقال صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز المشرف العام على الجائزة مساعد وزير الداخلية للشؤون العامة في كلمته في الحفل: إن من المتفق عليه أن فتنة التكفير هي أول الفتن ظهوراً في الإسلام وهي منبع الفتن والخرافات التي مزقت جسد الأمة الإسلامية، وفي عصرنا الحاضر تسللت هذه الفتنة لمجتمعات أمتنا واستفحلت مما يستوجب علينا الوقوف وقفة علمية لدرء مخاطرها وتكوين حصانة اجتماعية ضدها. وقال سموه: إنه إدراكاً من جائزة نايف العالمية لخطورة هذه الظاهرة فقد طرحت عدداً من الموضوعات في هذا الموضوع وفاز عدد من الباحثين بالجائزة في هذا المجال، وقد نشرت ووزعت على عدد من مراكز الأبحاث، معدّداً بعض هذه البحوث. وأضاف سموّه: إن الجائزة تبنّت إقامة مؤتمر في هذا الموضوع وصدرت الموافقة السامية بإقامته بالتعاون مع جامعة محمد بن سعود الإسلامية، مشيراً إلى أن المؤتمر يأتي استمراراً وتأكيداً للدور الرائد الذي ترسمه جائزة نايف العالمية، وفي إطار جهود المملكة المباركة في خدمة الأمة الإسلامية. بذرة الغلو من جانبه قال أمين عام الجائزة ورئيس لجنة الإشراف العليا على المؤتمر الدكتور ساعد العرابي الحارثي في كلمته في الحفل إنه في وقتنا الحاضر بكل أسف شذ جمعٌ من الناس عن سلوك المنهج الوسط واضطربت صلتهم به فزرعوا بذلك بذرة الغلو التي أنبتت شجرة خبيثة أثمرت فتناً متعددة من أشدها فتنة التكفير التي أيقظت فتنة الخوارج الضالة المندثرة. وأوضح العرابي أن المؤتمر جاء انطلاقاً من الإيمان بخطورة هذا الفكر لمعالجته من جذوره، والوقوف على أسباب ظاهرة التكفير وتفنيد شبهاتها والوصول إلى سبل علاجها. وأضاف العرابي:إن منظومة متكاملة من اللجان المشرفة والمنسقة والمنفذة للمؤتمر تشكلت للإعداد للمؤتمر منذ وقت مبكر، وكان بإشراف ومتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز المشرف العام على الجائزة، واليوم نقطف نتاج هذا العمل فقد انطلقت الجلسات لمناقشة أكثر من مائة بحث علمي محكّم، للخروج بتوصيات تسهم في الحد من هذه الظاهرة واجتثاثها، وتوعية المسملين بخطرها. المرحلة الحرجة وألقى كلمة ضيوف الحفل قطب مصطفى سالم وزير الشؤون الدينية سابقاً ووزير التعاون الدولي في جمهورية غينيا، رفع فيها إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الشكر الجزيل والتقدير العميق لكل ما يقوم به من عناية كريمة للشعوب الإسلامية، مؤكداً أن رعايته لهذا المؤتمر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة هو أكبر دليل على حرصه حفظه الله على خدمة أمته الإسلامية، منوهاً بدور صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز على ما ينهض به من عمل دؤوب مخلص في «حماية بيضة الإسلام». وقال مخاطباً صاحب السمو الملكي الأمير نايف: ها أنتم تضيفون كوكبة من العلماء في أهم ظاهرة علمية معاصرة، فريدة في مقصدها السامي، وفي توقيتها، ومما يزيد المؤتمر روعة كونه مناسبة عظيمة يتحقق من خلالها اللقاء المنشود بين علماء الأمة ومفكريها من مختلف دول العالم لتعزيز التواصل الفكري وتوطيداً لروابط النصرة والمؤازرة والمساندة بين أفراد الأمة. وقال قطب: إن هذا المؤتمر سيظل حدثاً هامًّا جللاً يحفظه التاريخ لما جمعه من نخبة من علماء الأمة لمناقشة قضية فكرية مدمّرة اكتوت الأمة بآثارها، وأدت، نتيجةً لمقدمات مغلوطة، إلى الاعتداء على الأعراض المحفوظة والدماء المعصومة باسم الإسلام، وهي فتنة التكفير المستشرية. عقدية فكرية وعدّ قطب قضية التكفير قضية عقدية فكرية تستوجب المعالجة الفكرية المتواصلة التي تجابه الفتنة النكراء، شريطة أن تنتظم المجابهة تأصيلاً فكريًّا تاريخيًّا، ولتحقيق مقاصد المصطلحات التي اتخذتها هذه الفتنة ذريعة للتكفير والقتل كالولاء والبراء والحاكمية وغيرها. حضر الحلف عددٌ كبير من العلماء والمفكرين والمسؤولين وضيوف الجائزة من داخل المملكة وخارجها.