عاتبني زميلان كريمان عزيزان منذ حين على مقالة شكرتُ فيها أعضاء المجلس البلدي في محافظة جدة، مع تخصيص المنتخبين منهم بمزيد من الثناء. واضح أن العتب في محلّه، فكل أعضاء المجلس البلدي في جدة فاعلون، متحركون، مهتمون، بذلوا من أوقاتهم وجهودهم الشيء الكثير، وأسسوا لعمل بلدي مستقبلي سيريح مَن بعدهم، فمرحلة التأسيس هي الأصعب دومًا. بيد أن على العضو المنتخب أيًّا كان مسؤوليات أكبر باستمرار، فهو بداية عضو ممثل لمنطقة جغرافية معيّنة، أي أنه نائب عن سكان هذه المنطقة، يمثلهم في عضوية المجلس البلدي، ومن ثم فإن انتخابه يعني تلقائيًّا التزامه بعهد، ووعد، وعقد ملخصه ضرورة خدمة ناخبيه بكل ما أوتي من قوة، وعلم، وجهد. وأعلم يقينًا أن كثيرًا من الناخبين لا يترددون أبدًا في الاتّصال بممثليهم حتى في أوقات غير مناسبة، خاصة في ظل انتشار استخدام الجوال وتقنياته الملحقة به، مثل الرسائل النصّية. وفي أوقات الأزمات العصيبة مثل كوارث السيول (أجارنا الله منها، وحفظ بلادنا من شرّها) لا يتوقف رنين الاتّصال بالعضو المنتخب دون العضو المعيّن، ذلك أن الناخب يشعر بأنه مدينٌ للعضو المنتخب، ومن حقّه أن يتّصل، ويشكو، ويقترح، بل ويتذمّر، (ويتأمّر). هذه هي الإشكالية الفارقة بين المعيّن والمنتخب، وقد كان من حظ محافظة جدة أن حسن اختيار المعيّنين، وإلاّ لكان بإمكان أيٍّ منهم (النوم في العسل)؛ باعتبار العضوية -كما في معظم المجالس- أمرًا شرفيًّا، وميزة بورجوازية، لا تشترط بالضرورة بذل وقت وجهد لخدمة مدينة في حجم جدة، مشبعة بأزمات ومشكلات متراكمة. بقي أن أشير إلى أن عضوية المنتخب لا تعني بالضرورة أنه أفضل أداء من عضوية المعيّن، بل لربما بزّ وسبق الثاني الأول، فالقضية في النهاية إحساس العضو أيًّا كانت مرجعيته بالمسؤولية، وتقديره للأمانة، وشغفه بخدمة الساكن أيًّا كان، وشعوره بالانتماء إلى الوطن، ثم أولاً وأخيرًا طمعه في الثواب والأجر من الله العلي العظيم. شكرًا مضاعفًا لكل أعضاء المجلس البلدي، المعيّن منهم والمنتخب، وتمنياتنا لهم بالتوفيق أينما حلّوا، وحيثما رحلوا. وتمنياتنا بالتوفيق للمجلس الجديد، الذي سيطل علينا بعد أيام قليلة.