يَجِب أن نعترف بأنّ ما كُنّا نعتبرهُ عالمًا افتراضيًّا لم يعُد كذلك، وأنّ ما كُنّا ننظُر إليه على أنّهُ واقعٌ أصبح هو الافتراضي! فموقعٌ كتويتر مثلاً أصبح يستقطب الملايين من شتى بقاع الأرض بلا جوازات، أو منافذ عبُور أشَدّ تأثيرًا من قناةٍ فضائيّةٍ، أو صحيفةٍ حكوميةٍ، جيل جَدِيد يخلق فضاءاته بنفسه، لا علاقة لهُ بأيّ جهَة، ولا ينتمي في أغلبه إلاّ للحُرّيّة، وللإنسان ما لَهُ ومَا عليه، تواصلٌ كونيٌّ رائعٌ، يستطيع الباحث من خلاله أن يُجري استبيانًا على أكبر قدر من النّاس في أسرَع وقت، وأقَلّ جُهْد، لا مجال لحجب الأصوات، ولا الآراء بصوتٍ أو رأيٍّ واحدٍ يحَاول أن يكون الجميع! بمائة وأربعين حرفًا فقط يستطيع النّاس أن يُعبّروا بحرّيّة، ويتحرّروا من كل القيود عدا قَيد الضّمير، بمائة وأربعين حرفًا يدعون الله، ويُحبّون، ويُعاتبون، ويكرهون، ويُدافعون عن أوطانهم، ويطرحون قضاياهم، ويُناقشونها، ويقولون: لا أو نَعَم عن قناعةٍ وإيمانٍ تامّين. بمائةٍ وأربعين حرفًا تُنقَل الأخبار، وَتُبدى الآراء حولها، كُل بثقافته، وَمعرفته، وَوَعيه، بمائة وأربعين حرفًا تُجتَرّ تصاريح بعض المسؤولين غير المسؤولة لتُفنّد بجديّةٍ ساخرةٍ، وسُخريّةٍ جَادّةٍ، بحرّيّة تنبض الأصابع وتتنفّس، «حُرّيّةٌ مسؤولة لا سائبة»، فالمُخطئ هناك يُحاسب مباشرةً برابط «هاشتاق»، وبشكلٍ جماعيٍّ، كما حدث قبل أيّام مع أحد الأشخاص عندما انتحل شخصيّة ممثّل سعودي مشهور، هذا عدا الأشخاص المتبرعين والمتفرغين لحفظ الحقوق الفكريّة والأدبيّة.. ليستطيع أيّ صاحب حساب تعرّض للسرقة التواصل معهم بسهولة؛ ليُعاقب المُخطئ، وَيُعاد الحَقّ إلى أصحابه، بمائةٍ وأربعين حرفًا الشّارع يتحدّث من عُمق الشّارع، تتلمّس حاجة الفقير من خلاله، وتسمع صوت العاطل، وتتحدّث مع «النجم» على حقيقته بدون مكياج، وبعيدًا عن الفلاشات، أيضًا المسؤول يستطيع أيّ مواطن أن يتواصل معهُ بدون المرور ببابٍ مُغلَقٍ، أو سكرتير مكتَب! ولعلّني من هنا أتمنّى -كما يتمنّى الجميع- بأن يكون لكلّ وزارة أو مؤسسة حكوميّة متحدّثٌ رسميٌّ باسمها في هذا الفضاء، يصلهُ صوت المواطن، ويُنتَظَر منهُ صداه، كما فعل بعض المسؤولين، ووجدوا رغم أنّهُم قِلّة، لكنّهُم يستحقّون أن نُحيّيهم على شجاعتهم رغم أنّ ما قاموا به هو واجبٌ من أولى واجباتهم، وعظيم مسؤولياتهم، أُكَرّر التأكيد على أهميّة الالتفات إلى ذلك الفضاء.. فهو مرآةُ الواقع الحقيقيّة، وتلك الملايين التي فيه لم تأتِ من «المريخ»، هُم نفسهم الذين يقفون عند إشارات المُرور في الطريق إلى العَمل والأمل، وهُم الذين يذهبون إلى مدارسهم وجامعاتهم، ويراجعون الدوائر الحكومية، ويخافون على أطفالهم، ويحلمون مثلنا ومعنا بغدٍ مُشرقٍ وجميلٍ.