لم ترد لفظة المواطن والوطن في معاجمنا العربية اللغوية إلاّ لممًا فثمة ذكر لها في كتاب الأصبهاني.. كما جاء لفظ واطن فلانًا على الأمر أضمر فعله معه أي وافقه عليه.. وجاء لفظ المواطنة بمعنى المصاحبة أو المعايشة.. واطن القوم أي عاش معهم في وطن واحد، وطن المكان وأوطن أي أقام وأوطنه اتخذه وطنًا والوطن المنزل الذي تقيم فيه وهو وطن الإنسان أو محلّه، والوطني هو المنتمي إلى وطن أو بلد يتمتع فيه بالحقوق لكونه منتميًا إلى كيانه.. وعليه واجبات وورد في قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) فالموطن على صيغة مفعل أو مشهد من مشاهد الحرب ويمكن القول بأن الوطن هو تلك البقعة الجغرافية التي يعيش على ثراها مجموعة بشرية معينّة فيرتبطون بأرضها وتسكن وجدانهم وتنشأ بينهم أشكال من الروابط والعلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والاقتصادية والهموم والاهتمامات والطموحات المشتركة التي تجمع فيما بينهم.. ونستطيع القول بأن المواطنة (على صيغة مفاعلة هي المطاوعة والمشاركة والفعل واطن) وهي مفهوم أفرزه الفكر الحديث وهو نتاج مجموعة من التجارب والأحداث والمعايشات والهموم المشتركة في إطار استشعار الحقوق والواجبات داخل الوطن الواحد والشعور بالمسؤولية تجاه ذلك الكيان مهما اختلفت اتجاهات وتوجهات وأصول وأيديولوجيات ومذاهب أو لهجات ولكنات أفراده وكلّما ارتفعت ضوابط الشعور بالمواطنة كانت الفرص مواتية لرقي ونهضة الوطن.. وفي الإجمال تعدّ المواطنة من المبادئ التي تمثل حقوق الإنسان في الحياة الآمنة الكريمة وفي العدالة والمساواة كما تمثل القيم والأخلاق والثوابت التي تحترم في ظل بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وبالتالي تصبح معيارًا للحق والواجب وتلك مقدمة أردتها توطئة لحديثي عن اليوم الوطني الذي يحتفل به وطننا هذا الأسبوع.. فكيف يكون الاحتفال؟! • بادئ ذي بدء فإنه يحسب للملك عبدالله حفظه الله ترسيخ منح الإجازة في هذه الذكرى وهذا في حد ذاته من الأدوات التي تربط الشعب باليوم والذكرى. • غير أن ما أراه هو اقتصار هذه المناسبة على الإجازة وفسحة الناس مع ما يصاحب تلك الاحتفالية من ممارسات لبعض الشباب نتيجة السير في الشوارع ورفع الأعلام والرقص والغناء وتعطيل حركة المرور وربما السرعة أو الإضرار بالناس فليس هذا هو المقصود من الاحتفال. • لا بد من برامج مخططة معدّة مسبقًا على كل الأصعدة منها ما يخص الشباب الذين يمكن جذبهم إلى مناطق احتفالية بعيدًا عن الشوارع والطرقات و(كورنيشات) البحر لتقديم برامج ترفيهية توعوية إعلامية تسجيلية تثقّف النشء وتعطيهم لمحات مختصرة عن كيان المملكة وفلسفة توحيدها بنظرة المؤسس الثاقبة (الملك عبدالعزيز رحمه الله) ويمكن فتح المجال في تلك اللقاءات الشبابية لطرح مشاركات في حب الوطن وتشجيعها. • أما على مستوى المثقفين والنخبة فيمكن تسخير النوادي الأدبية والغرف التجارية في كل مدينة للاضطلاع بدورها في هذه الذكرى العزيزة باستقراء التاريخ والعودة إلى ملامح الوحدة وما واكب الوطن من نهضات وإنجازات وما واجهه من تحديات على أن يبث ذلك إعلاميًا لتعميم الفائدة ويمكن أن تتخلل تلك اللقاءات بعض الأوراق والدراسات لفلسفة الاحتفاء بالوطن ومعايير المواطنة ودور المواطن والدولة والحقوق والواجبات في حوارية تثري المناسبة وتحقق أهداف الاحتفال. • ثم وسائل الإعلام بكل فئاتها لتحقيق مشاركة مختلفة بعيدة عن الروتين المعهود في الاستعراض التسجيلي إذ ان ثمة مواقف ودروس وعبر يمكن استخلاصها من توحيد هذا الكيان وما واكبه من تحديات وعقبات وما تحقق فيه من إنجازات وأحلام وما نستشرفه في مستقبله من تغيير وتطوير. • وحين نحتفل باليوم الوطني لا يمكن إغفال حقبة التأسيس على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي استطاع أن يلمّ شمل القبائل ويوطن الهجر ويقضي على الفرقة والاختلاف ويرسي القواعد الأولى في ثبات أمن هذا الوطن بالقضاء على قطع الطريق والنهب والسلب مما حقق أمن المواطنين وكذلك القادمين للحج والعمرة للديار المقدسة فكم حكى لنا الآباء والأجداد عن الوضع السابق الذي كان يخاف فيه الحاج والمواطن على نفسه وعرضه وماله وكان ذلك الإنجاز من المؤسس بمثابة ميثاق أمن جذب الناس وأنعش الاقتصاد في حقبة تعاني فيها البلد. • كذلك حرص المؤسس على ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة في لحمة وطنية واحدة لا تفرق بين سكان الحجاز أو نجد والشمال أو الجنوب ولذلك حرص رحمه الله على إشراك الجميع والاستعانة حتى بالخبراء من خارج الوطن وتشجيعهم للمشاركة في نهضة البلاد المترامية الأطراف والمتعددة اللهجات والاتجاهات.. مما عزز مبدأ المساواة ونبذ العنصرية حتى إنه أرسى في عهده قواعد الشورى وقد سار على الدرب أبناؤه البررة حتى شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله المفدى العديد من الجوانب الإصلاحية والتنموية في كل المجالات وليست قراراته الإصلاحية الأخيرة في هذا الشأن عنّا ببعيد فضلًا عن تعزيز دور المملكة وحضورها في المحافل الإقليمية والدولية عن طريق الدعوة للحوار مع الآخر ونبذ العنف والمبادرات للإصلاح بين الشعوب والدول.. أما اللافت لما قام به المليك حفظه الله فهو حرصه على مصلحة المواطن وتحقيق رفاهيته وأمنه ورخائه من ناحية ثم وقوفه بحزم لنبذ العنصرية ومحاربة الفساد من ناحية أخرى وكلها مقومات أساسية لتأكيد واجب الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة فهو العامل الرئيس في تعزيز الانتماء وتحقيق الولاء وهذا ما تصبو إليه الأوطان والأمم. • ونريد من هذه الاحتفالية أن تتخذ شعارًا كل عام مثل الإنتاج والإنجاز/ نبذ الإرهاب والعنصرية/ أخلاقيات المواطنة/ احترام الحقوق والأخلاق/ الشعور بالمسؤولية/ لتكون تلك الشعارات بمثابة رؤية توجّه الشعب إليها وتعوّد النشء عليها.. وتغرس في قلوب الجميع حب الوطن كما ينبغي أن يكون ليتجاوز الاحتفالية الصاخبة إلى استقراء التاريخ والاستفادة من الدروس وتحقيق الإنجازات ورفع الإنتاجية وقدسية العمل والوقت.. حتى نلحق بركب الحضارة في كل المجالات ويكون حبنا للوطن حب إنجاز وتضحية وكفاح يحقق له المكانة المرموقة التي يستحقها. دوحة الشعر... فاللهُ يرعى الأمنَ فخرَ بلادنا حاراتُنا تزهو بلا إجرامِ ويديمُ عزَّ مليكنا ورجالهِ وتدومُ فينا رايةُ الإسلامِ فديارُنا خيرُ الديارِ وحكمُنا شرعُ الإلهِ مسيرة الحكامِ