فوجئت بوفاة الزميل عدنان عشي يوم الأربعاء 9/10/1432ه، 8/9/2011م أثناء رحلة علاجية في ألمانيا بدأت قبل ثلاثة شهور، وهو واحد من أوائل خريجي أقسام الإعلام عام 1403ه/1983م الذين عوَّض انضمامهم للحقل الإعلامي نقصاً كان يعاني منه الجهاز الإعلامي، وكان هذا الجيل بداية لإحلال الإعلاميين السعوديين المؤهلين أكاديمياً مكان جيل من المتعاقدين، وكان عدنان واحداً ممن شقوا طريقهم بنجاح في مجال الإنتاج الإعلامي: إخراجاً وإعداداً، ولذا كان اسماً مميزاً في الإذاعة، وليس كل من حصل على مؤهل في الإعلام بقادر على الإنتاج المتميز ما لم يملك إلى جانب التأهيل الثقافة العامة والحرص على جودة المنتج الإعلامي، والاستفادة من خبرة من سبقوه، وذلك ما حرص عليه عدنان، وكان من أسباب تميزه الإعلامي. لم يزد عمر عدنان عن (55) عاماً، ولكن لكل أجل كتاب، وحسبه أن يكون عمره الإعلامي يفوق عمره الزمني إنتاجاً، فقد أعد وأخرج كثيراً من البرامج في إذاعة جدة من أبرزها برنامج «أيام وذكريات»، وإخراجه لبرنامج «ألوان» الذي كانت تعده الإذاعية الراحلة شيرين شحاته، ومما عرف عنه أنه كان يمكث في الإذاعة ساعات طويلة من أجل إنتاج برامجه، وهذه الصفة في الإذاعي التي لا تعترف بساعات العمل بل بجودة العمل، لا توجد إلا في إذاعي موهوب يحس أن جودة العمل جزء منه، وهكذا كان عدنان عشي. تميز عدنان في تعامله مع زملائه بروح الدعابة والمرح حتى روى عنه أنه لم يتخلَ عن الابتسامة وهو يتألم من المرض ليساعد الآخرين على البسمة، لقد فقد الزملاء في الإذاعة زميلاً يقابل ضغوط العمل بالابتسامة، كما فقد المستمع إذاعياً يبذل كل جهده ليخرج البرنامج الإذاعي في أفضل مستوى يطمح إليه الإذاعي. واذكر لعدنان موقفاً مشرفاً بعد أن بارح دنيانا الفانية، فعندما كانت صواريخ الرئيس صدام حسين تتساقط ليلاً على الرياض أثناء حرب إخراجه من الكويت، احتاجت إذاعة الرياض لإذاعيين من إذاعة جدة لمواجهة كثافة العمل - وقتها كنت مديراً عاماً لإذاعة الرياض - فاعتذر من اعتذر عن الحضور إلى الرياض، لكن عدنان وزميلاً آخر له حضرا وداوما في إذاعة الرياض، وكان قلة من الزملاء في إذاعة الرياض لا يرغب العمل في الليل فهو موعد سقوط الصواريخ، ومنهم من يخرج إلى خارج الرياض ليلاً لكن عدنان كان يداوم ليلاً مثل جمهرة الزملاء الذين ازدادوا حماسة للعمل في وقت كان العمل بحاجة لمضاعفة الجهد، ولم نكن نلاحظ أن عدنان تغيب عنه بسمته ليلاً، وبقي يعمل بجد وإخلاص إلى أن أذن الله بزوال المحنة، ومن حقه أن نذكر محاسنه (اذكروا محاسن موتاكم). عدنان واحد من إعلاميين فقدتهم الساحة الإعلامية، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، فهؤلاء يكونون متميزين في إنتاجهم، ويزدادون تميزاً إذا اشتدت الظروف، وإذا رحلوا يبقى مكانهم شاغراً، ويحس الزملاء والمستمعون بخلو أماكنهم، ولكن أمام القضاء لا نملك إلا الدعاء لعدنان بالرحمة والغفران، ولأهله وزملائه بأن يلهمهم الله الصبر والسلوان، فقد عاش حسن السمعة، ورحل طيب الذكر، أمطر الله عليه شآبيب الرحمة.