نستكمل في هذه العجالة حديثنا عن تفاصيل الأعياد وعاداتها في مدينة جدة. وهي المناسبة التي يعتني بها المجتمع كثيرًا، ويُجهِّز لاستقبالها منذ منتصف شهر رمضان المبارك، ثم تتسارع خطواتها في أيامه الأخيرة لتوفير كافة مستلزماتهم، والظهور بأفضل حالة ومظهر. وكان الناس يخرجون إلى صلاة العيد كبارًا وصغارًا، وتتوجّه جموعهم سيرًا على الأقدام إلى المصليات، أمّا الميسورون فيقدمون على خيولهم، أو عرباتهم (الفيتون) بصحبة عبيدهم. وقد كان المشهد واقعًا خارج سور مدينة جدة قديمًا في موقع مسجد الملك عبدالعزيز، بالقرب من باب مكة حاليًّا، واستمر كذلك إلى عام 1367ه، ثم تعددت المصليات نظرًا لاتّساع المدينة، وهدم سورها. ويذهب كثير من الأهالي بعد صلاة العيد إلى مقبرتي أمنا حواء، والأسد؛ للترحم على موتاهم، ثم يتّجهون بعدها إلى بيت كبير العائلة وهو «الجد، أو الأخ، أو الأخت الكبرى» للسلام عليهم، وتهنئتهم بالعيد، وتناول وجبة الإفطار الجماعي مع الأعمام، والعمات، والأرحام. ونظرًا لتجاور المنازل في القدم؛ لذا نجدهم في الغالب يتجهون إلى زيارة بقية أفراد الأسرة، ثم العودة للمنازل لاستقبال المهنئين، وقد كانت فترة المعايدة الساعة التاسعة صباحًا حتى الثانية ظهرًا تقريبًا، ويستمرون بهذه الطريقة طوال أيام العيد، وقد تعارف الأهالي منذ القدم على تخصيص كل يوم من أيام العيد لأحد الأحياء، حيث يذهبون جميعًا لمعايدة أهل ذلك الحي، كما يزورون كافة المنازل المفتوحة لاستقبالهم.. ويحرص صاحب المنزل على تعطيرهم عند خروجهم بماء الورد، ويبخرهم بالعود، وفي بعض الأحيان يُقدِّم المضيف طبقًا عليه لفائف مغموسة بزيت عطري نفّاذ، حيث يقوم الضيوف بغمس أصابعهم في هذه اللفائف ومسحها تحت أنوفهم، ثم ينتقلون إلى بيت آخر، وينظمون مواعيدهم، بحيث يستقبلون أيضًا زوّارهم، ممّا يشيع البهجة والمحبة في المجتمع. وقد انحسرت عادة زيارة الأحياء في الوقت الحاضر، واقتصرت المعايدة على المقربين، بحيث يبتدئون المعايدة في صحبة أطفالهم على الوالدين، وكبار الأسرة، ثم توزع بقية الأيام على الأقرباء والأرحام والجيران والأصدقاء. أمّا عيد السيدات فكان يبدأ متأخرًا بعد قضاء الأيام الأربعة، حيث يشرفن على كل تجهيزات المعايدة في منازلهن، ثم يبدأن بعد ذلك بالزيارات العائلية بصحبة أطفالهن، وقد كانت العيدية -ومازالت- من أجمل مظاهر العيد، بصرف النظر عن مقدارها أو حجمها.. وهي عادة متبعة في كافة المجتمعات العربية والإسلامية، ولها نكهتها خاصة عند الأطفال، وفي العادة يعيّد الأطفال آباءهم، وجميع أفراد أسرتهم من أجداد، وجدّات، وأعمام، وأخوال، وعمّات، وخالات، وغيرهم بمبالغ مالية تتفاوت بين الأسر حسب قدراتها، لذا يجهز الأهالي عيديات الأطفال الذين يصحبون آباءهم للمعايدة، كما يعيّد الرجل زوجته، وأمه، وبعض قريباته بمبالغ مالية، أو بحلي ذهبية وفقًا لإمكانياته المادية. وبعد الغداء يأخذ رب الأسرة أبناءه إلى ساحات الألعاب، أو المراجيح -كما كانت تُسمّى قديمًا- وكانت مراجيح العيد تُنصب في البرحات (الساحات) في ثلاثة مواقع، أشهرها العيدروس التي تقع في محلة المظلوم أمام مدرسة الفلاح الثانوية في الموقع الذي يُعرف بكدوة عواد، وكذلك حارة اليمن، وحارة الشام. وينطلق الأطفال في صحبة آبائهم وأقاربهم إلى ساحات الألعاب التي نُصبت من قِبل مالكيها قبل العيد بعدة أيام، ومنها العقيلية، الصناديق، الشبرية، واللوح للعب وهم يهزجون.. ويبدأ توافد الأهالي على برحات العيد صباحًا، ليبلغ ذروته عصرًا، ويمتد حتى وقت العشاء، ويستمر كذلك في أيام العيد الأربعة. أمّا الأهالي فيقيمون في ساحات أحيائهم بعد صلاة العشاء احتفالات العيد التي تقدم فيها المزمار، وهو أحد أشهر الألعاب الشعبية المعروفة في المناسبات، فيسهرون ويهزجون على أنغامها، أمّا أهل الدار فيتمتعون بذلك من خلال فتحات الرواشين، وتستمر تلك الاحتفالات لثلاثة أيام متوالية. كما كانت بعض الأسر في جدة في بداية الستينيات والسبعينيات الميلادية تخرج في الأعياد للنزهة والتمتع بالأجواء الطيبة، والسباحة في (غبة عشرة)، وهي عبارة عن تل مرتفع يطل على البحر شمال غرب التحلية حاليًّا على كورنيش جدّة، أو على شرم أبحر المسمّى (الكوكيان)، وهو ما يُعرف حاليًّا بأبحر الشمالية، وهذا بعض من ذكرياتنا في العيد مازال بعضها مستمرًا، واندس بعضها خجولاً من هجمة التغيرات الحديثة. وهو بالمناسبة جزئية من كتابي عن العادات الشعبية في الحجاز، وهو حصيلة جهد مضنٍ لاحق، لذا آمل من كل مَن لديه معلومات أن يبعثها على إيميلي.. وله جزيل الشكر. [email protected]