في الإسلام ليس هناك وجود لشخص لا يمكن أن يقع في الخطأ . إحدى الأفكار الرئيسة التي قام عليها الإسلام هي ان البشر خطاؤون ، وأن أخطاء البشر قابلة للتعديل عن طريق المراجعة الدائمة للذات . الإسلام زود أتباعه بآليات عملية تساعدهم على مراجعة ذواتهم ، وتكرس فكرة قابليتهم للوقوع في الخطأ مما يستتبع بالضرورة ، عدم التعصب وتقبل وجهة النظر الأخرى والانفتاح على الأفكار المختلفة والاستعداد لمراجعة القناعات الشخصية مهما كانت درجة إيمان الفرد بها . أهم آلية ابتكرها الإسلام لهذا الغرض ، هي آلية الاستغفار التي تم إفراغها من مضمونها فتحولت إلى مجرد كلمات يرددها المرء دون تفكر أو تأمل حرصا على اكتساب الحسنات ليس إلا . الاستغفار آلية نفسية وعقلية مهمتها تذكير الإنسان بأنه مطبوع على الوقوع في الخطأ . ولو كان الاستغفار مجرد أداة للإعلان عن الشروع في التوبة والرجوع عن الذنوب ، لاقتصرت الحاجة إليه عند ارتكاب الأخطاء والاعتراف بها فقط . أما أن يأمر الله ورسوله جموع المؤمنين بالاستغفار عقب كل صلاة بغض النظر عما إذا كان الفرد قد تورط فعلا في ارتكاب بعض الأخطاء والذنوب والمعاصي التي يود التوبة عنها ، فإن هذا يعني بأن الاستغفار له مهمة أخرى أكبر وأشمل من محاولة التكفير عن الذنوب والأخطاء . الاستغفار اداة للتذكير قبل أن يكون أداة للتطهير والتكفير ، ولو كان الأمر عكس ذلك لما أُمر الناس بترديد عبارة الاستغفار عشرات المرات في اليوم الواحد ، بغض النظر عما إذا كانوا قد ارتكبوا او انتبهوا إلى ارتكابهم ، للمعاصي والذنوب أم لا . ما حدث هو أننا أفرغنا الدين من مضامينه الأساسية وأصبحنا نتعامل مع الشعائر كما لو كانت طقوسا نؤديها ثم نتحلل مما تمليه علينا من النواحي الأخلاقية والفكرية والنفسية والسلوكية . كل الشعائر هي أدوات ووسائل مساندة تهدف إلى تقويم السلوك البشري ، والاستغفار بالتحديد هو وسيلة لتكريس مبدأ أو مفهوم القابلية للوقوع في الخطأ مما ينعكس إيجابا على سلوك المرء ليس فقط فيما يختص بالقدرة على غربلة قناعاته ، ولكن فيما يتعلق أيضا بسلوكه العملي ونظرته إلى نفسه وتعامله مع الآخرين . يتبع ..