يكثر الحديث بين الناس في العشر الأواخر عن ليلة القدر وعلاماتها وما ورد فيها، ويرى البعض أنها ليلة 27 وآخرين يقولون إنها ليلة 29، وهناك من يرى في ختم القرآن في الحرم التي صارت الآن ليلة 29 هي ليلة القدر، وفي دول أخرى وجدنا ختم القرآن ليلة 27 على أنها ليلة القدر، فما حقيقة هذه الآراء، وهل فعلًا يستطيع المسلم أن يرى علامات ليلة القدر، ويجاهر بقوله إنه رأى علاماتها، أم المسالة كلها اجتهادية، وماذا عن رسائل الجوال التي تزعم أن ليلة محددة هي ليلة القدر؟ يقول الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء: إن خصائص هذه العشر المباركة أنها يرجى فيها مصادفة ليلة القدر التي قال الله فيها: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» مضيفًا: لا يظفر المسلم بهذه الليلة العظيمة إلا إذا قام ليالي العشر كلها؛ لأنها لم تتحدد في ليلة معينة منها، وهذا من حكمة الله سبحانه لأجل أن يُكثر اجتهاد العباد في تحريها ويقوموا ليالي العشر كلها لطلبها فتحصل لهم كثرة العمل وكثرة الأجل وطالب الشيخ الفوزان المسلمين بالاجتهاد في هذه العشر التي هي ختام الشهر، وهي ليالي العتق من النار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شهر رمضان: «شهر أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار»، فالمسلم الذي تمر عليه مواسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار في هذا الشهر وقد بذل مجهوده وحفظ وقته والتمس رضى ربه، إن هذا المسلم حري أن يحوز كل خيرات هذا الشهر وبركاته ويفوز بنفحاته، فينال الدرجات العالية بما أسلفه في الأيام الخالية. وعن العلامات التي تعرف بها ليلة القدر يقول الشيخ الفوزان: هناك عدة علامات: العلامة الأولى: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها. العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي في مسنده، وسنده صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة». العلامة الثالثة: روى الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليلة القدر ليلة بلجة» -أي مضيئة-، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم»، أي: لا ترسل فيها الشهب. فهذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر. وأضاف الشيخ الفوزان لا يلزم أن يعلم من أدرك وقامها ليلة القدر أنه أصابها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أم لم يعلم، وقد يكون بعض الذين لم يعلموا بها أفضل عند الله تعالى وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة وذلك لاجتهادهم. من العلماء من حددها بليلة27 الشيخ راشد الزهراني خطيب جامع القاضي بمدينة الرياض ومدير الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وعضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قال إن الحديث الصحيح بيّن أنها في أوتار العشر، وهي خمس ليال لا تخرج عنها، فهي إما ليلة 21 أو 23 أو 25 أو 27 أو 29، وهي تتنقل بينها، مشيرا إلى أن من العلماء من حددها بليلة 27، وقال: إن إدراك العبادة في هذه الليلة له أجر عظيم، لافتًا إلى أنه في الوقت الذي بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أعمار أمته ما بين 60 و70 سنة، وقليل منهم من يتجاوز ذلك، إلا أن العبادة في هذه الليلة قد توازي العبادة في 83 سنة وأربعة أشهر تقريبا، وهي الألف شهر التي وردت في القرآن، وهذا فضل من الله كما قال تعالى: «ليلة القدر خير من ألف شهر». وبين الزهراني: أنه يستحب للمسلم أن يكثر في هذه الليلة من قول: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، كما أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أم المؤمنين عائشة إلى هذا الدعاء. بعض الناس يبذل جهده وطاقته في العبادة في أول شهر رمضان، فإذا ما دخلت العشر الأواخر أصابه الفتور، بينما الواجب أن تكون العشر بداية لمرحلة إيمانية جديدة في حياة العبد. وحث الداعية الإسلامي الشيخ عايض بن محمد العصيمي الناس بتقوى الله عز وجل في العشر الأواخر المباركة، والاجتهاد في العبادة والتضرع إلى الله وعدم استغلال حاجات الناس في هذه الأيام، والالتزام بالضوابط الشرعية، وحذر من مستغلي الناس في العشر الأواخر من قبل ضعاف النفوس. وقال الشيخ العصيمي: إن هناك أناسًا يدعون إن ليلة القدر هي الليلة الفلانية، وللأسف وجدنا بعضهم يقسم على ذلك أيمانًا مغلظة بأن ليلة كذا هي ليلة القدر وهذا خطأ كله ليس هذا من منهجه -صلى الله عليه وسلم-. وأوضح الشيخ عايض العصيمي علامات وأمارات وردت عن ليلة القدر كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: لنعلم أن علامات وأمارات ليلة القدر التي ذكرها العلماء وقد تتكرر في أكثر من ليلة، ولا يجزم بأنها ليلة القدر، والمأمور ألا نغلب عليها بعبادة وطاعة، فالأجر والعتق من النار الوارد في الحديث لمن قامها إيمانًا واحتسابًا هو الذي يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليس من رآها وشاهدها في منامه أو حتى من علم أنها ليلة القدر، فالعلم وحده لا يكفي إذ لم تعمر بالطاعة والعبادة. قال عليه الصلاة والسلام: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). رواه البخاري ومسلم. ولم يقل عليه الصلاة والسلام: من علمها وعرف تلك الليلة. وأضاف العصيمي: من الأدلة الشرعية السابقة وغيرها دليل على أن ليلة القدر ترى في المنام وترى أيضًا بالواقع، فلها دلالات وأمارات يراها المسلمون، وقد ذكرت عند أهل العلم في كتبهم؛ قال العلامة ابن باز:قد ترى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه وتعالى وذلك برؤية أماراتها وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات، ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانًا واحتسابًا.