منذ صغري أتعجب من كثرة الزوابع حول خلاف بين اثنين لا ثالث لهما، ولا تنتهي الحشود إلى شيء، وانبهر بمن تمر اختلافاتهم وتنتهي بهدوء وسرعة وبلا حشود. أكثر المشاكل التي تتداعى عليها ألسنة ذوي القربى والرحم والصداقة تبدأ اختلافا بين اثنين تأخذ كلا منهما العزة برأيه ولا يسعفهما العقل بلذة بيان الخطأ من الصواب، وينصرف كل منهما ليسرد ما حصل، وكل واحد من السامعين يسرد لآخرين، فيمسي على ألسنة هذا وذاك وتلك، وبمرور الأيام يصير أكواما من لغط، وما كان صغيرا بين اثنين يجعلونه أكبر وأعمق من بركان ثائر. ولا تنتهي المشكلة بإصداراتها الجديدة إلا إذا ضحى وتبرع وانبرى لها أشخاص من مختلف الأحزاب بمكالمات واجتماعات جانبية لحلها، وهي ليست سوى هفوة في أسلوب الإصغاء والكلام، وكبوة للفكر الحر. المختلفان في الرأي والنتيجة إذا كتما -إلا لاستشارة حكيم أمين كتوم- لما «ترقّى» ما بينهما إلى مرتبة المشكلة الرنانة عند الناس، ويعودان ليكملا نقاشهما وسيصلان إلى نتيجة. دروبنا في الحياة متوازية، تلتقي في محطات الحب والعون، لكنها لا تتقاطع ولا تنسد أبدا باختلاف آرائنا. المساحات بيننا تتقلص سريعا بتحرك كل منا نحو الآخر، لا بالانتظار وبث الحواجز. سوء الظن مهما ألبسناه أعذارا وأسميناه بغير اسمه، يخرب كل شيء حتى الود، أما إذا تعاملنا بحسن الظن وسادت الثقة ذابت العوائق وأشرق الحب بالحل. وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ لكن عين السخط تُبدي المَساويا ولعل كلمة (الشك) أفضل من كلمة (السخط) وأعم. عندما يفاجئني أشخاص بأمر كان بيني وبين حبيب، أتعجب من إفشاء الحبيب، وأتساءل كيف تهون عليه المعزة - بفتح الميم- ويكسر ميمها ويعرّضها للذبح في أي لحظة وأمام أي شخص!! لكنني أعود وأكلمه هو، فثقتنا ببعضنا لن تكون أقل منها بالآخرين وإلا ما كان بيننا محبة. فلنعلم أن ما ينفخ فيه وينفخه كثيرون ونسميه (مشاكل) أغلبه سراب هين، كالدنيا كلها. وكل عام أحبتي القراء، وأنتم في رضا وصفاء ومحبة ووئام. د. فارس محمد توفيق - المدينة المنورة