كنت أود الحديث عن محاكمة القرن التي يسعى الحزب الوطني الحاكم في مصر إلى تحويلها لمحكمة الفرن بحيث تصبح قاعة المحكمة في أكاديمية الشرطة طابونة أو مخبز للخبز. كنت أود أن أسجل هلعي على مصر كلها بعد أن تعددت أشكال وألوان الفوضى المتعمدة والمنظمة بدءًا من البلطجة المكشوفة حول قاعة المحكمة وصولاً إلى فزاعة القاعدة في سيناء ومواجهتها بالعملية «نسر». كنت أود أن أتناول هنا مشاركة القناة الإسرائيلية الثانية في حملة ترويع مصر بموازاة محاكمة مبارك لولا أن الوضع في سوريا الجريحة يدعو كل الأقلام المنصفة لتناول تلك المأساة. والحق كذلك أنني كنت أود ن أتحدث عن الجيش العربي السوري الباسل الذي ترك أمجاده في حرب أكتوبر، وتخلى عن شعاراته في الصمود والتصدي في بقية الشهور والسنين ليقذف اللاذقية السورية برًّا وبحرًا! نعم كنت أود أن أتحدث عن مأساة الشعب السوري وتواصل سقوط الأبرياء في ساحة الوغى على يد القوات السورية المدافعة عن الأرض التي يقف عليها الرئيس! لولا أن مأساة الشعب الصومالي العربي المسلم وصلت الى أدنى ما يمكن أن تصل إليه من جوع وعطش وسط انصراف المسلمين والعرب لمتابعة ما سيحدث لمبارك وما يفعله بشار وما فعله القذافي! والصومال لمن لا يعرف عضو في جامعة الدول العربية وعضو في منظمة التضامن الإسلامي وعضو في منظمة الوحدة الإفريقية وعضو في الأممالمتحدة، وباستثناء النداءات والاجتماعات المتواصلة للمنظمة فإن تحركًا فاعلاً لجامعة العرب لم يحدث بعد، وكذلك الحال مع منظمة الوحدة الإفريقية والأممالمتحدة والعجيب أن أسماء تلك الجهات كلها وحدة واتحاد دون أن يتحد أحد لإنقاذ شعب الصومال العربي المسلم. تصور معي لو أن الصومال على علاقة وطيدة بإسرائيل أو بالولايات المتحدة أو بفرنسا أو بمجلس الكنائس العالمي.. تصور معي لو أنه مثل جنوب السودان! بالتأكيد ستتحول المطارات إلى محطات لشحن الغذاء والدواء، وستعدد زيارات الرؤساء السابقين والحاليين لتلك الدول. مشكلة الصومال أنه عربي والعرب مشغولون بمحاكمة مبارك وما بها من مقايضات، ومأساة ليبيا وما بها من مضحكات مبكيات، ومأساة سوريا وما بها من مبكيات.. مبكيات.. مبكيات.