في ظل هذا الزحام المرير، والأعباء اليومية التي نتكالب عليها، تغيب عن بالنا أشياء جوهرية، وبمرور الأيام نجد أنفسنا ننسلخ عن تقاليدنا وعادتنا التي تربينا عليها، وتأصّلت فينا، ومن أهم الأشياء التي فقدنا الشعور بحلاوتها، ولم نعد نوليها ترتيبًا بين أولوياتنا الترابط الأسري. لقد زرع فينا آباؤنا -ومن قبلهم أجدادنا- روح التآلف والمحبة والاتحاد، ولم شمل الأسرة، وصلة الرحم، إلاَّ أنه ومع تطور الزمن والتقدم التكنولوجي عصفت بنا الحياة في مسالك شتّى، بحيث أصبح كل شخص داخل قوقعة من الأفكار والطموحات والمسؤوليات التي اضطرته إلى تناسي مَن حوله، والاكتفاء بالاطمئنان على ذويه عبر الهاتف، أو الإنترنت بين الحين والآخر، حتى وإن اجتمعت الأسرة على الطعام، أو لمشاهدة التلفاز، إمّا أن يكون كل شخص منغلقًا على نفسه، أو غير منسجم مع حديث باقي أفراد الأسرة. ولكي نعيد لهذا التآلف كيانه من جديد، علينا إعطاء أنفسنا فرصة، وأن نحاول جاهدين تخصيص وقت لمشاركة آبائنا وأبنائنا مشكلاتهم وأمورهم اليومية في حيادية، ولنحاول أن نلمس رأي الآخر كما لو وضعنا أنفسنا موضعه.. إن الحياة بما فيها لا تساوي خسارة فرد عزيز علينا، ويعنينا أمره، إلاَّ أن طبيعة الحياة تشغلنا حتى عن رؤية أنفسنا، وتسرق منا أغلى ما لدينا.. فلنعد حساباتنا، ولنرتب أفكارنا من جديد لنحس بالسعادة الحقيقية في التفافنا في جو أسري تغمره روح التعاون والألفة والمحبة التي نحن أحوج ما نكون إليها، فتلك اللحظات الجميلة هي التي تبقى عالقة بالذكريات، وهي الدافع الحقيقي نحو حياة أفضل.. فهذا مشروع العمر الذي لو أوليناه بعضًا من العناية التي نحبسها على مشروعاتنا لظللتنا ثماره على طول حياتنا، فجميع الماديات تفنى، وتبقى المعنويات، والمعاني النبيلة راسخة في القلب والعقل تضيء لكل حائر طريقه، وتهدي كل تائه إلى ضالته. وقد كشفت دراسة ألمانية حديثة أن نشأة الأطفال بين والديهم، في جو أسري مفعم بالحب والرعاية تُعدُّ من العوامل الرئيسة لطفولة سعيدة. وأكدت الدراسة التي نشرت صحيفة (بيلد آم زونتاج) الألمانية نتائجها أن 40% من الأطفال الذين شملهم السؤال أجابوا بأنهم يعيشون طفولة (سعيدة للغاية)، في حين قال 44% إنهم (سعداء)، وفي المقابل أبدى %14 من الأطفال حيرتهم فيما إذا كانوا يعيشون طفولة (سعيدة أم لا)، وفسّر الخبراء تلك الإجابة بأن أولئك الأطفال يعيشون (طفولة بائسة). ونرى من واجبنا الاهتمام والتركيز على الترابط الأسري، الذي يعتبر ركيزة هذا المجتمع، والعمل وفق خطط إستراتيجية يضعها متخصصون في مجالات الأسرة والمجتمع، من أجل المحافظة على هذه المنظومة، باستخدام جميع وسائل الإعلام المؤثر في حياة الفرد، والوصول إلى أكثر شريحة في هذا المجتمع من أجل وحدة الأسرة وترابطها، وخاصة في هذا الشهر المبارك. نفعنا الله وإيّاكم، وجعلنا ممّن يقومه إيمانًا واحتسابًا. [email protected]
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (56) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain