ربما كانت الصدفة التي جمعت رجل أعمال سعودي بثلاثة رجال اعمال مصريين على باب المصعد الانيق المواجه للبوابة الرئيسية لغرفة جدة هي التي ولدت الفكرة في عقله.. ولم يترك رجل الاعمال السعودي -الذي يبدو انه اعتاد على استثمار أي شيء وكل شيء وبالطبع الوقت اهم شيء- لم يترك الرجل اللحظات القليلة التي ينتظر فيها وصول المصعد تمضي دون ان يطرح افكاره على ضيوفه بعد ان تم تعارف سريع بينهم. وبينما المصعد ينقلنا جميعًا الى الدور العاشر قال: نحن لا نريد مجالس اعمال تنتهي بخطب وتبادل زيارات وكلمات دون افعال حقيقية.. نحن نريد مجلسا قويا يتخذ قرارات عملية.. لماذا لا نفكر في انشاء غرفة تجارية مشتركة بين مصر والسعودية؟! وعلى الفور ايده احد المصريين الثلاثة وقال: نعم غرفة قوية يكون لها أنياب. ولم يكد «المصعد» الزجاجى -الذى اتاح لنا مشاهد بانورامية لمدينة جدة من الخارج وهو يتهادى في صعوده بتؤدة وروية حتى شعرنا ونحن بداخله وكأننا في طائرة تحلق رويدًا رويدًا الى اعلى وهي تفلت من الاضواء الكثيفة التي تملأ ليل جدة- لم يكد يلفظنا المصعد امام مدخل قاعة الاجتماعات جميعًا حتى تفرق الجميع ليبحث كل منهم عن مقعد شاغر في قاعة امتلأت برجال الاعمال من الجانبين ولم يكن العثور على مقعد بالامر الهين. وكان هذا الحديث هو اول حلقة في حلقات نقاش طويل لمجلس الاعمال المصرى - السعودى المشترك.. ولكن فكرة الرجل غابت عن المناقشات اثناء الجلسات ولم يطرحها الرجل داخل القاعة.. ويبدو انها فكرة يحلم بتحقيقها كرجل اعمال. كان الجميع في انتظار دخول راعي الاجتماع وزير الصناعة والتجارة عبدالله زينل بصحبة نظيره المصري الدكتور محمود عيسى. وفي جو مليء بمشاعر الدفء والحميمية والترقب بدأت المكاشفة وجالت وصالت الصراحة بين الجانبين.. وربما هذا ما عبر عنه سفير خادم الحرمين الشريفين بالقاهرة أحمد عبدالعزيز قطان -الذي استطاع اللحاق بالاجتماع قبل انتهاء الجلسة الافتتاحية وقال: يجب ان نتحدث بكل شفافية عن العوائق.. هناك رغبة صادقة لدى السعودية لزيادة الاستثمارات وبجهود الجميع سوف نحقق ما نسعى اليه. وقال الرجل لم اكن اتوقع ان جدة اصبحت ورشة عمل بهذا القدر -فى اشارة منه الى ما عاناه اثناء مجيئه من ازدحام مروري- ولكنه عاد ليقول: هذا أهم اجتماع منذ تعييني سفيرًا في مصر لان هدفه نبيل.. ولا شك هناك الكثير من العوائق التي ظهرت في الآونة الاخيرة بسبب الظروف التي مرت بها مصر. * المكاشفة كشف السعوديون عن مخاوفهم وطرحوا هواجسهم واعلنوا مطالبهم بوضوح شديد دونما مواربة او لف ودوران.. وقالوا على لسان الدكتور عبدالله دحلان رئيس الجانب السعودي في المجلس: استثماراتنا في مصر ستبقى.. لن نتخلى عن مسؤوليتنا، ونطمح لمزيد من الدعم والمساندة من الحكومة المصرية، وضمان استثماراتنا لقد فقد بعض المستثمرين الثقة في مجالس الاعمال لتحولها الى خطب وكلمات وقال دحلان: ان 70% من الاستثمارات السعودية في مصر تتركز في مجال السياحة التي تأثرت كثيرًا في ظل الاحداث التي مرت بها مصر.. ولن تعود السياحة الا اذا عاد الامن والاستقرار للشارع المصري. ومضى يقول: نحن نتطلع الى تطبيق الاتفاقيات التي مازالت في ادراج جامعة الدول العربية والخاصة بالتحكيم، نتمنى أن تعلن مصر التزامها فعليًا بالاتفاقيات التي دخل على اساسها رجال الاعمال السعوديون للاستثمار في مصر. ويغيب عن دحلان ان يطمئن الجانب المصري حينما ختم كلامه بالقول نحن في امس الحاجة الى الاطباء واساتذة الجامعات.. ونحن في امس الحاجة لان نتعاون من خلال السفارتين في البلدين لنفعل مجلس الاعمال ليكون آلية قوية لدعم الاستثمار والتبادل التجاري. * الأصول لم تمس وشدد ابراهيم محلب رئيس المجلس عن الجانب المصري على ان مصر تحترم وعودها وعقودها. وقال: ان الامن في مصر بدأ يستقر وبات في تحسن ملحوظ وهي حقيقة نشعر كمصريين.. وبالرغم من التغيرات السياسية فان الاصول الاستثمارية السعودية في مصر لم تمس.. نحن مصممون على نهضة كبيرة في مصر وسوف تعتمد هذه النهضة بدرجة كبيرة منها على جذب الاستثمارات.. لننظر سويًا الى المستقبل ونضع خريطة للعمل. وطرح محلب حزمة من المقترحات لهذه الخريطة اولها انشاء معهد مصري سعودي في مجال الانشاءات والطاقة والدعوة الى سرعة انشاء صندوق تمويلي للمشروعات المشتركة سواء في بلدينا او في الخليج، وسرعة الاتفاق على آلية لتفعيل الاتفاقيات السابق توقيعها، واشار في ذلك الى انشاء مركز خدمة للمستثمرين السعوديين بهيئة الاستثمار المصرية لحل مشاكل الشركات. ومضى يطرح مقترحاته بوضع تصور للسياحة بين البلدين، والتعاون مع الجهات البحثية في كلا البلدين مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في المملكة ومركز البحوث في مصر، والتعاون في البرمجيات، وتطوير بوابة تفاعلية لمجلس الاعمال لحل المشاكل، وانشاء شركات تشغيل وصيانة للعمل في البلدين والتعاون في مجال استصلاح الاراضي الزراعية، وزيادة التعاون في الصناعات الدوائية. ودعا في نهاية حديثه رجال الاعمال السعوديين ليقضوا العيد في مصر ليكون كما قال العيد في مصر عيدين بعودة السائح السعودي الى مصر. * معرض دائم وطالب السفير المصري بالمملكة محمود عوف بتبني خطة عمل تنفيذية لبعض المشروعات المشتركة ومنها تنظيم زيارات محددة لكل قطاع، والاتفاق على آلية لتبادل المعلومات حول المناقصات الحكومية والفرص الاستثمارية وانشاء معرض دائم للمنتجات المصرية في الرياض وآخر للمنتجات السعودية في القاهرة، واصدار دليل للمصدرين والمستثمرين وابراز الجوانب الايجابية للستثمارات المشتركة اعلاميًا. وقال: ان الصادرات السعودية إلى مصر زادت من 2.2 مليار دولار عام 2009م إلى 2.5 مليار دولار عام 2010م فيما زادت الصادرات المصرية إلى المملكة من 1.4 مليار دولار في عام 2009م إلى 1.6 مليار دولار في عام 2010م وتحتل المملكة مركزًا متقدمًا في قائمة الدول المستثمرة في مصر باستثمارات تقدر بحوالي 5.5 مليار دولار وبعدد مشروعات يقدر بحوالى 2226 مشروعًا في مجالات السياحة والمقاولات والصناعة والزراعة والخدمات. وأشار إلى أن عدد المشروعات المنشأة في المملكة برأس مال مصري كامل نحو 100 مشروع وبلغ عدد المشروعات المنشأة برأس مال مصري سعودي مشترك نحو 300 مشروع حيث تبلغ قيمة الاستثمارات في هذه المشروعات نحو 2.5 مليار دولار في مجالات المقاولات والتصنيع وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية. * يد العون وفي بداية الاجتماع اكد صالح كامل رئيس غرفة جدة في الكلمة التي القاها نيابة عن مازن بترجي نائب رئيس الغرفة اعتزازه بأن تكون غرفة جدة (أعرق الغرف الخليجية) وأول غرفة سعودية هي المكان الذي يجمع أول لقاء مشترك لمجلس الأعمال السعودي المصري في أعقاب الأحداث الأخيرة وأن يكون اللقاء خلال أيام الشهر المبارك وقال: إن مصر التي أبهرت العالم كله على مدار الشهور الماضية جديرة بأن تأخذ مكانتها المناسبة في قلب الوطن العربي ويصبح لها دور اقتصادي محوري بارز مع شقيقتها السعودية. * مد الجسور وأكد رئيس مجلس الغرف السعودية عبدالله المبطي أن الظروف الحالية واضحة وهناك مقدرة على دعم التعاون الاقتصادي بين البلدين في ظل التاريخ العريق لحجم العلاقة الأخوية التي تربط البلدين حكومة وشعبًا. وبين أن الاستثمارات السعودية متقدمة في مصر وتحتل المركز الأول حيث هناك أكثر من 2300 شركة سعودية وتبادل تجاري جيد وبالإمكان أن تنمو وتزيد مصر من استقطاب الاستثمارات السعودية لديها. وأفاد أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله دائمًا تقف إلى جانب مصر وشعبها وتبادر بدعم التبادل التجاري وإقامة المشاريع المشتركة بين البلدين وإن شاء الله ستشهد الأيام القادمة المزيد من مد جسور التعاون وإيجاد المزيد من الفرص الاستثمارية بمساعدة مجلس الأعمال السعودي المصري.