القدس تضيع يومًا بعد يوم، والعالم العربي والإسلامي غافل أو مشغول عما يدور فيها من عمليات اغتصاب للمقدسات وسرقة للتراث وتهويد للأرض، تارة لنزيف الدم الذي يسيل بغزارة في أكثر من بلد عربي قرّر أن يسخر إمكاناته العسكرية وأسلحته الثقيلة من دبابات وطائرات وقذائف صاروخية لمحاربة شعبه وتدمير منشآته ومكتسباته بدلاً من إدخارها لمعركة فاصلة لتحرير القدس، وتارة لعوامل الفرقة والفتنة التي تجتاح أيضًا أكثر من بلد عربي، وتارة أخرى للمجاعة التي تفتك بالأهالي دون رحمة، ويزيد من وطأتها ميليشيات تقف في مواجهة الأهالي، أما الطامة الكبرى فيمثلها المشهد الفلسطيني الراهن بكل تداعياته المؤسفة عندما انصرف كلية عن قضية القدس وعندما دخل قادة فتح وحماس في متاهات النزاع على السلطة والكراسي والمناصب واختاروا طريق الانقسام وتكريس الخلاف وإطلاق التصريحات والوعود الخاوية وإبرام الاتفاقيات والمصالحات الوهمية التي يئس الشعب الفلسطيني من إمكانية تحقيقها بعد أن فقدت الحد الأدنى من المصداقية وبعد أن ضلت طريقها إلى حيز التنفيذ حتى الآن، وهو ما يوفر في المحصلة فرصة ذهبية وتاريخية أمام إسرائيل لم تكن تحلم بها يومًا من الأيام لوضع مخططاتها النهائية بالنسبة للقدس، موضع التنفيذ. القدس عند هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به تستصرخ ضمير الأمة أن تتوقف حمامات الدم في سوريا وليبيا واليمن، وأن تنتهي دواعي الفرقة والخلاف والنزاع، خاصة بين أبناء الوطن الواحد والقضية الواحدة والأمل الواحد، وأن يشرع زعماء الأمة في تحقيق الإصلاحات الحقيقية التي توفر للمواطن العربي العيش الحر الكريم حتى تتوجه الجهود نحو تحرير المقدسات وإعادة الهيبة والوحدة والاعتبار لهذه الأمة العزيزة فبدون هذه الخطة سيستمر الدوران في نفس الحلقة المفرغة، حلقة الاستنكار والإدانات والبيانات والتصريحات التي لا تغير من واقع هذه الأمة المرير شيئًا، وبل ستدفع نحو المزيد من الانزلاق في سراديب التيه والضياع، في الوقت الذي تُعتبر إسرائيل المستثمر والمستفيد الأكبر من الوضع العربي الراهن، ولا أدل على ذلك من قرارها الأخير ببناء 900 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة جبل أبو غنيم في القدس العربية.