يقع الاحتكار عملاً في كل أدوات الحياة مما يمكن جمعه للاستبداد بشأنه؛ لأنّ الاحتكار في اللغة يعني الاستبداد والمنع. تقول: حكر السلعة، أي جمعها لينفرد بالتصرف فيها ويمنع غيره من حق المساومة في ثمنها. وتقول: حكر برأيه، أي استبد به. وفي هذه القضية يقول د. سعد الدين مسعد هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن قضية الاحتكار تعرض لها الفقه الإسلامي في عدة مسائل،المسألة الأولى: دلالة النهي عن الاحتكار، فمع الاتفاق على أن الإسلام نهى عن الاحتكار في نصوص قرآنية ونبوية سبق ذكرها إلا أن الفقهاء اختلفوا في دلالة هذا النهي على مذهبين في الجملة،المذهب الأول: يرى أن المقصود من النهي عن الاحتكار هو تحريمه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، بل اعتبره بعضهم كابن حجر الهيتمي من الكبائر. وحجتهم: ما ورد من نصوص تلعن المحتكر، وما يترتب على الاحتكار من ظلم واستبداد، هذا بالإضافة إلى الأخذ بحكم الأصل في النهي، وهو التحريم. ويضيف الهلالي أن المذهب الثاني: يرى أن المقصود من النهي عن الاحتكار هو الكراهة، فلا بأس من الاحتكار، وإن كان خلاف الأولى أو خلاف ما ينبغي أن يكون، وقد ذهب إلى هذا أكثر الحنفية وبعض الشافعية. وحجتهم: مشقة الاحتراز من الاحتكار ولو في بعض الأزمنة والأمكنة، كما أن الاحتكار قائم على تملّك السلعة، وهذا مكفول لكل أحد. ويوضح أن المسألة الثانية: صفة تملك السلعة محل الاحتكار، حيث اختلف الفقهاء في تلك الصفة على مذهبين في الجملة،المذهب الأول: يرى أنه يشترط لتحقق الاحتكار شرعًا أن يكون تملك المحتكر للسلعة بطريق الشراء، فلا احتكار من البائع إذا كان هو المنتج للسلعة كالصانع أو الزارع إذا حبس صناعته وزراعته، أو كان هو الجالب للسلعة من سوق غير سوق المدينة، أو من السوق الذي اعتادت المدينة أن تجلب طعامها منه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء. وحجتهم: أن الصانع أو الزارع أو الجالب صاحب فضل، فلا يأثم بفضله، بخلاف المحتكر بالشراء فإنه بقدرته الشرائية حبس السلعة عن الناس،والمذهب الثاني: يرى أن العبرة في الاحتكار إنما هي باحتباس السلع بحيث يضر بالعامة سواء كان تملكها بطريق الشراء أو بطريق الإنتاج أو بطريق الجلب من سوق غير سوق المدينة، أو كان بطريق الادّخار لأكثر من حاجته وحاجة من يعول. وإلى هذا ذهب بعض المالكية، وهو منقول عن أبي يوسف من الحنفية. وحجتهم: أن ضرر الاحتكار يلحق الناس بكل صفة مما سبق ذكرها.