نشرت المدينة يوم الثلاثاء 25 شعبان 1432ه استطلاعاً لآراء حول الشَّعْبَنَة، وهي ما تفعله بعض الأسر أو الأصدقاء من تجمعات للأنس، وتوثيق الأواصر الاجتماعية في شهر شعبان، وتقام في المنازل أو الاستراحات، أو أماكن النزهات، ومع أن هذه العادة عادة اجتماعية لا عبادية؛ فقد لاحظت أن بعض من استطلع رأيه وصفها بأنها بدعة وضلالة، وأصلها عادة نصرانية، ولم أجد ممَّن اشتط في رأيه مَن قَدَّم دليلاً على ما ذكره، من الناحيتين التاريخية والدينية، وبخاصة من ربط ذلك بأن أصلها عادة نصرانية. واحتفاء أهل المدينةالمنورة بالنزهات قديم، ومن يطلع على تاريخ وادي العقيق وخروج الناس إليه -وبخاصة إذا سال هذا الوادي- يعرف قِدَم هذه العادة، وأنها ليست مملوكية، فهي قبل المماليك، وليست نصرانية، فلم تعرف المدينة النصرانية، وهي في كل الأحوال حفلات للأنس والاجتماع مثل أي حفلة أخرى، ولا حجة لمن يرغب قتل الفرحة في نفوس الناس. قال مؤرخ المدينةالمنورة «محمد كبريت الحسيني» (ت 1070ه)، وهو يتحدَّث عن محاسن المدينة في شهر شعبان في كتابه (الجواهر الثمينة في محاسن المدينة ص/ 569): (ويُسَّمى هذا الشهر شهر الكرامة، وفيه يذهب الناس على اختلاف طبقاتهم إلى البساتين، فيقيمون فيها على قدرتهم وسعتهم في الرزق). والعادة مستمرة من قبله، ولكنه سجل ما كان في زمانه، وصرَّح «محمد كبريت» في كتابه السابق ص/ 609 بأن حُبّ التنزه غالب على طباع أهل المدينةالمنورة، فقال: (والغالب على طباع أهل المدينةالمنورة محبّة التنزه، والاجتماع الخالي من الكُلَف، بحسب ما يقتضيه الحال، وربما أفصحوا عن حالهم بقول من قال: إذا ما اجتمعنا طاب بالأنس وقتنا وطِبْنا بجمع بالأحبة سالم وما القصد إلاّ أن يكون اجتماعنا وما الأكل إلاّ من صفات البهائم!!! فهل المطلوب من الناس ألا يأنسوا ويجتمعوا في شعبان، أو يُحمل ذلك على أنه انتهاب للملذات قبل شهر رمضان، أو تقال عبارات وردت في الاستطلاع مثل: (جرت العادة لديهم على ارتكاب المعاصي) أو (إنها عادات دخيلة مكتسبة من شعوب مختلطة مع مجتمعنا)، أو (توسَّع فيها بعض الناس بممارسة المباحات وارتكاب المعاصي والآثام)، فهل يراد من الناس ألاّ يفرحوا، وأن تقتل الفرحة في النفوس، أو أن يعيشوا حرماناً ووأداً للأنس، بدعوى أن ذلك جاء من خليط المقيمين بيننا، بل هي أسبق منهم، وهي عادة لا عبادة، وإن حصل تجاوز في بعض الحفلات فلا فرق في ذلك بين شعبان وغيره، حتى تُمنع البسمة من النفوس في شعبان. وقد سجَّل الرحالة المغربي «العياشي» -في رحلته عام 1059ه- عناية أهل المدينةالمنورة بالخروج للنزهات، وكثرة الأماكن التي يخرجون إليها، والأماكن التي يقيمون فيها، ولكنه أنكر خروج النساء إلى التنزه والتفرج في البساتين، والأماكن المنفسحة، مع أنه وصف نساء المدينة بأنهن (يبالغن في الستر الظاهر، بحيث لا يبدو من المرأة ولا مغرز إبرة حتى من أطرافها)، والسبب أن «العياشي» لم يعتد على ذلك في المغرب. (لا إنكار في مسائل الخلاف) إن كان ذلك من مسائل الخلاف في عبادة، والتضييق على الناس لرأي يراه خطيب غير مقبول، والرجم بأن العادة نصرانية يحتاج لبرهان، حتى لو كانت عادة لا عبادة، لأن ذلك يشير إلى أن لها أصلاً دينياً، والموضوع كله أقل من أن تُطلق فيه تلك العبارات الجارحة، في زمن تسيل فيه دماء المسلمين في أكثر من بلد مسلم، ومن قال: إن لديه مصادر تاريخية فليذكرها ليُنظَر في موثوقيتها، ومن قال: إنها عادة نصرانية عليه الدليل، لئلا يسهل قذف الناس في عقائدهم؛ انتصاراً لرأي لا يسنده دليل شرعي. فاكس 012389934 [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (55) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain