فقد سمعت أنه سيعرض مسلسل يحكي بعض ما حدث بين الصحابة، وأن من سيخرجه قد أفتى بذلك من قبل بعض المشايخ، وقبل أن أبين ما يترتب على هذا من مفاسد كثيرة سأبين باختصار رأي الكبار في هذا الموضوع؛ إذ ليس هو وليد الساعة، فقد صدر في تحريم تمثيل الصحابة قرارات متعددة من أكبر الهيئات العلمية ك«رابطة العالم الإسلامي»، و«هيئة كبار العلماء» في السعودية، وغيرها، كما أفتى بذلك كثير من أهل العلماء الكبار، ومما جاء في قرار الرابطة: «يحرم تمثيل الصحابة الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين باتفاق أهل العلم؛ لشرفهم بالصحبة العظيمة، واختصاصهم بها دون من عداهم من الناس، ولكرامتهم عند الله تعالى وثنائه عليهم في القرآن الكريم، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الآية، فهم أحقاء إجماعًا بالتكريم والتعظيم والتوقير؛ ولذلك أجمع أهل العلم على حرمة تصويرهم في الأفلام أو على المسارح؛ لما فيه من المنافاة الصارخة لكل ذلك». اه. «أبحاث هيئة كبار العلماء» 3/296 وهذه إشارة لبعض المفاسد المترتبة على ذلك: 1- هل يمكن أن يؤدي شخص مهما كان الدور المطلوب وينقل صورة واقعهم؟ قطعا لا، لماذا؟ لأنه لا يمكن لمن شاهدك وعاش معك أن يمثل دورك تمامًا وترضى بذلك وترى أنه قام بذلك أتم قيام، فكيف بمن لم يره، وإنما يعرف جزءا يسيرا من سيرته؟! 2- سيتولى رجال تمثيل الصحابة وسيقومون بمحاكاة أقوالهم وأفعالهم، وسيترتب زيادات يقتضيها التمثيل، وهذه الزيادات = كذب عليهم. 3- هذا الممثل سيقوم بدورهم في الكلام والمشي والجلوس والضحك والغضب والنظرات.. إلخ، ومعلوم أن هذه الأدوار حساسة جدا، وكثير من الناس يحَب ويبغَض بناء على طريقته فيها، وهذا سيعرض مقامهم للإزراء بهم، ويقلل حبهم في نفوس الناس، ويحط من أقدارهم. 4- سيكون الكلام باللغة العربية الفصحى، وسيكون للهجات الممثلين أثر في ذلك، وكذا طريقة أدائهم لها، مما سيكون مثيرا للسخرية في نفوس بعض المشاهدين. 5- تمثيل دور الصحابة تقليد لهم ومحاكاة لأفعالهم وأقوالهم = وهذا حق لهم لا يجوز أن يفعل بلا أذنهم، وهو متعذر= فيمنع. 6- تصوير أحوالهم القديمة مع الدواب ونوع اللباس والأثاث ونحوها = لا ينفك عن الإزراء بهم، ويؤدي إلى اختلال التعظيم الواجب لهم في قلوب الناس. 7- سيقوم بتمثيل أدوارهم إما كفار أو فساق أو مستوري الحال غالبًا، وهذا نوع من الإزراء والتنقص لهم. 8- النص التاريخي وإن روجع وضبط فلن يسلم من زيادات وتصرفات الممثلين بقصد أو غيره، كما أنه لا يأمن من عبث المخرج والمنتج، ويفتح الباب لمن يُنتج ويخرج بلا أي ضوابط. 9- في عامة التجارب الماضية لم تسلم تلك المسلسلات من وجود المحرمات، كالموسيقى، وظهور النساء، ونحوها من المحرمات. 10- بقاء صورة هذه الممثل في أذهان الناس على أنه الصحابي فلان، فكلما ذكر هذا الصحابي انتقل الذهن لصورة هذا الرجل الذي قد يكون فاسقا أو كافرا، وهذا الممثل قد يكون مارس أدوارا خبيثة، أو قد يمارس لاحقا. 11- تمثيل بعض الأحداث كالحروب والفتن التي كانت بين الصحابة سيورث نفرة في نفوس المشاهدين من بعضهم. 12- من مذهب أهل السنة والجماعة الإمساك عما شجر بين الصحابة من الفتن، ونشر هذا للعامة مخالف لذلك، خصوصا أن تلك الأحداث كما قال ابن تيمية: «كثير من الخوض في ذلك أو أكثره كلام بلا علم» اه «منهاج السنة»4/311. 13- يقال لمن أفتى بذلك اليوم: هل ترضى أن يمثل أحد الممثلين حياتك وطلبك للعلم، وآخر دور أبيك، وأخرى دور أمك، وأدوار مشايخك؟ أجزم أنك لن ترضى، فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكرم منك ومن أبيك وأمك، وأولى أن يعظموا وتحفظ مكانتهم. 14- الإقدام على ذلك بحجة حصول بعض المصالح مع إغفال ما ذكر من المفاسد سيجركم أو غيركم إلى تجويز تمثيل الأنبياء، فكل تبرير لكم هنا فهو هناك أكبر؟! ولا تسأل بعدها عن المفاسد الكبيرة التي ستترتب على ذلك، وأنتم من فتح الباب، بالتجويز الشرعي. هذه بعض الخواطر التي عرضت، وإلا فإني أجزم أن غيري لديهم غيرها، فليتق الله عبد، أنتج هذا، وعبدأفتى بجوازه، فخصمه غدًا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحسن القصد لا يصلحه سوء العمل، والوسائل كثيرة في عرض محاسنهم ورد ما يقال من الكذب عليهم. والله أعلم.