كثر الحديث عن العمالة الوافدة، وما تسببه من أضرار للمجتمع، ولا يكاد يخلو عدد واحد من أي صحيفة محلية من خبر، أو عدة أخبار عن ضبط مجموعة منهم في مخالفات متباينة، ما بين الاتجار بمواد غذائية فاسدة، أو إعداد وجبات ومأكولات في أماكن ملوّثة، أو تزوير، أو دعارة، أو صناعة خمور، وحدّث ولا حرج في قائمة طويلة من المخالفات المفزعة التي تجعل المواطن يشعر بأنه يعيش في غابة تتربص به فيها الوحوش الكاسرة من كل حدب وصوب، ولا يعلم متى يكون دوره ليقع فريسة لها. وكل ما ذكرته حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وقد كتبتُ عن هذه الفئة كما كتب غيري مرات ومرات، ولطالما وصفنا هؤلاء الأشخاص بأنهم أشبه بالقنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي وقت، ثم لا يسلم من شرورها أحد. ولكن ما أود طرحه في هذه المقالة بشفافية شديدة هو أن اللوم الأول في هذه الأحوال غير الحضارية، وغير الإنسانية التي نعيشها لا يقع على الوافدين أنفسهم، بل يقع على مَن استقدمهم وجاء بهم بالعشرات، أو المئات، أو الآلاف، ثم سرّحهم في الشوارع بعد أن امتص دماءهم؛ ليعيثوا في الأرض فسادًا، ثم تستمر علاقته بهم لا ليكون مسؤولاً عنهم، بل ليكونوا هم مسؤولين عنه، إذ لا يقابلهم إلاّ وقت تحصيل (الأتاوة) حين يحتاج الواحد منهم لتجديد إقامته، أو استخراج تأشيرة خروج وعودة.. وهكذا، فيطلب منه كفيله آلافًا مؤلّفة لقاء إنهاء تلك الإجراءات، فلا يكون أمام ذلك الوافد إلاّ أن يمارس كل أنواع الجرائم والموبقات للحصول على المال الذي يدفع جزءًا كبيرًا منه لكفيله السعودي، ويحتفظ بالفتات. وقد نشرت الصحف المحلية تحقيقات كثيرة عن أحوال هؤلاء الوافدين، وكيف يتم استعبادهم واسترقاقهم من قِبل كافليهم بفرض مبالغ يدفعونها قسرًا وظلمًا وعدوانًا، من أجل أن يبقوا في بلادنا، ولا يعودوا إلى بلدانهم الفقيرة المعدمة بعد أن دفعوا (دم قلبهم) من الأموال الطائلة ليشتروا بها تأشيرة من سماسرة التأشيرات في بلادهم المتواطئين مع بعض المواطنين الذين لا شغل لهم ولا مشغلة إلاّ المتاجرة بدماء هذه الفئات من البشر التي تبحث عن لقمة العيش بأي وسيلة كانت. وطرحت التحقيقات تساؤلات حقيقية عمّن يقف وراء حصول بعض الكافلين على عشرات أو مئات التأشيرات من بلدان مختلفة، دون أن تكون لديهم مؤسسات، أو أعمال، أو مشروعات تحتاج لهذا الكم الهائل من العمالة. وكل الذي يحدث أن يكون هؤلاء أصحاب ومؤسسات وهمية ولا نشاط لهم من أي نوع، ولا يترزقون إلاّ من هذه التأشيرات التي تباع في دول مختلفة لمن يريد الشراء، ثم إذا وصل الوافد إلى بلادنا تلقفه كفيله المزعوم ليبتزه أيّما ابتزاز، ويتركه يسرح ويمرح مع أقرانه في الشوارع ليجلب له المال بأي وسيلة كانت. وأظن أنه قد آن الأوان لنتوقف عن أن ننحي باللائمة في وجود هذه الظاهرة المقيتة على مخلفات الحج والعمرة، فمن يأتون بتأشيرات حج وعمرة يتم ضبطهم وربطهم بإحكام إلى حد بعيد، ثم لا يتجرأون على التجوال في الشوارع والأزقة ليمارسوا الأعمال المختلفة كما تفعل فئة أخرى في أيديها إقامات نظامية، ورخص قيادة سارية المفعول تنتقل بها كيف تشاء داخل المدينة الواحدة، وكذلك من مدينة إلى أخرى ليس من أجل العمل الشريف، بل لكسب المال بأي طريقة كانت، كما ذكرت ومثلت في مطلع هذه المقالة. أزعم جازمًا أن هذه المشكلة العضال لن يمكن حلها في المستقبل المنظور إن لم تطبق عقوبة على كافلي العمالة الوافدة كما تسمّى، حين يضبط بعضهم في جرائم أو مخالفات أو مجرد العمل في غير العمل الذي استقدموا من أجله، على أن تطبق العقوبة على الجميع بغض النظر عن المركز الاجتماعي مهما كبر أو علا، كما كان القانون يطبق على مَن يتجاوز السرعة القانونية في الخطوط السريعة حين كان المخالفون يحجزون لدى إدارة المرور لمدة معينة مهما كان وضعهم الاجتماعي، أو بلغ سنهم، وذلك قبل تطبيق نظام (ساهر) بالطبع. كما أن الفيض الهائل من التأشيرات الذي يُعطى لبعض الناس دون وجه حق ليقدموا على بيع تلك التأشيرات والارتزاق ممّن يقدمون عليها، لابد من أن توجد لدى وزارة العمل وإدارة الاستقدام الشجاعة الكافية لمنع إصدارها كائنًا مَن كان صاحبها، لأن صاحبها هذا لا تتوفر لديه أدنى صفات المواطنة الصالحة، حين يرضى أن يستقدم أناسًا لا ينفعون بلده بقليل أو كثير، وإنما يأتون للعبث بأمنها واستقرارها، وإيذاء مواطنيها والمقيمين فيها ليس إلاّ. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain