إذا كانت مصر في مفترق طرق.. فكيف تتجاوز المفترق وتحافظ على انطلاقة ثروتها والأهم كيف تحفظ مقدراتها وتتجاوز المرحلة الانتقالية بسلام؟ يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي أن المرحلة الراهنة بالغة الدقة والحساسية؛ مما يتطلب أكبر قدر من الحيطة والحذر من قبل كافة الأطراف السياسية، والعمل على حماية أمن مصر القومي، والذي تستهدفه عدة قوى خارجية، وتتمنى حدوث وقيعة بين الجيش والشعب المصري لإشاعة جو من الفوضى والاضطراب، وعدم الاستقرار لأطول فترة ممكنة، ويقول مطلوب الآن وأكثر من أي وقت مضى التوحد والاتحاد تحت راية الوطن، وأن تنطلق القوى السياسية من قاعدة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هي الضمان لنحاج الثورة والراعي لها، وأن للقوى السياسية أن تمارس الاحتجاح والاعتصام وهو حق مكفول لها وبشرط ألا تتعطل الأعمال أو إلحاق الأذى بمؤسسات الدولة أو تعطيل العمل. ويقول المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط: إن الجيش المصري ومجلسه العسكري لديه من المواقف المتميزة والمشرفة تجاه الثورة، واصفًا إياه بأنه العمود الوحيد الذي يحمل خيمة الوطن الآن، بعد أن سقطت كل الأعمدة، وحذر من أن أي محاولة «كسر هذا العمود أو التعدي عليه يهدد بسقوط الوطن كله». وقال: إن ذلك لا يمنعه من توجيه النقد للمجلس العسكري في مواقفه السياسية، لكنه يرفض التطاول عليه أو محاولة كسر شوكته، وأعرب عن مخاوفه من سيناريو كارثي ستشهده مصر في حال انكسار المؤسسة العسكرية ومع الوضع المضطرب والمحرج الذي تعيشه البلاد ووجود الانقسامات بين كافة القوى السياسية؛ إذ أن «الأقرب للحصول الكوارث والفوضى العارمة والحرب الأهلية». وقال الدكتور رفيق حبيب النائب الثاني لحزب «الحرية والعدالة»: إنه يتصور أن هناك خلطًا كبيرًا بين فكرة أن يكون هناك مطالب مشروعة للثورة، وأن تتحول هذه المطالب إلى هجوم على المؤسسة العسكرية. وأضاف: يجب أن ندرك أن المجلس الأعلى هو جزء من المؤسسة العسكرية وهو يقوم بمهمة ليست من مهامه الأساسية، وهو ما ينبغي معه أن نفرق بين حث المجلس على تحقيق مطالب الثورة والتعامل معه وكأنه نظام سياسي نطالب بسقوطه. وأشار إلى أن هناك مجموعات ترغب في هدم كل ما له علاقة بالنظام السابق قبل البدء في بناء أي شيء، وهذا التصور له توابعه التي لا يدركها البعض، فعملية الهدم المستمرة سوف تؤدي إلى هدم جزء كبير من الدولة نفسها قد يتغلغل في أحشائها النظام السابق وأعوانه، وبالتالي فلا يمكن أن نستمر في أعمال الهدم دون بناء، حتى يحل البناء الجديد محل القديم ويهدمه. ووصف هذا التصور بأنه يتسم بالحماس والثورة والنزعة لهدم كل شيء، وهو أمر لا يستطيع المجلس الأعلى أن يقوم به، ولأن ذلك يهدد كيان الدولة، معتبرًا أن محاولة البعض تضخيم الشارع بدعوى الحفاظ على الحالة الثورية هي محاولة للحفاظ على حالة من حالات الفوضى، سواء كان عن قصد أو غير قصد من البعض، فالتظاهر المستمر في الشوارع على هذا النحو يجعل البلاد في حالة شبة ثورة، بينما البعض لا يدرك خطورة ذلك في أنه يمكن أن يوقف دوران عجلة الدولة والإنتاج وبالتالي توقف التحول الديمقراطي. وأعرب عن اعتقاده بأن حدوث أي حالة من حالات الفوضى تؤدي إلى صدام بين الجيش والشعب سوف تضع الجيش في مأزق، لأنه يفترض ألا يصطدم مع الشعب، وإذا أخلى الساحة سوف تحدث حالة فوضى، وكل هذا يؤدي إلى شل قدرة القوات المسلحة على إدارة المرحلة الانتقالية، وإذا لم تستطع تأمين الطريق للمرحلة الانتقالية ويقول الدكتور كمال حبيب وكيل مؤسسي حزب «السلامة والتنمية» إن ما يحدث يمكن وصفه بالرعونة السياسية وتعبير عما يعرف في السياسة بمنطق الحركات الفوضوية القائمة على فكرة عدم الالتزام بأي شكل مؤسسي، وخلق حالة من الفوضى في المجتمعات التي تعيش فيها، مشيرا إلى أن تلك الحركات تنتعش قبل الثورات، وبعد الثورات لا بد أن تتوارى، لأن منطق البناء هو الذي يجب أن يكون سائدًا وليس منطق الهدم والفوضى. وأضاف أنه لا حرج في أن توجه أي من تلك الحركات النقد للمجلس العسكري، إلا أنه رفض بشكل مطلق أن تفرض على الجيش موقفًا يؤدي إلى الصدام بينه وبين الشعب، واصفًا هذا الأمر بأنه خط أحمر واستراتيجي على الثوار أن يعوه، ويجب أن يبقي الجيش كمؤسسة للمصريين جمعيًا يتفاوض الجميع والثوار معها، متسائلًا: إذا ما أنهار الجيش والمجلس العسكري فمع من سنتفاوض؟. وحذر من حدوث نوع من الانحراف عن مبدأ الثورة الأساسي، الذي يؤكد أن الجيش شريك للشعب في صنع الثورة واستمرارها حتى تنتقل البلاد إلى المرحلة الانتقالية ويصبح هناك برلمان ورئيس منتخبين مع وضع دستور جديد. وتطرق حبيب إلى حركة «6 أبريل»- المتهمة من قبل الجيش بمحاولة إحداث الوقيعة بين وبين الشعب- قائلًا إنه من المعروف عنها أن قسمًا كبيرًا منها كان لهم علاقات قوية بالولايات المتحدة وارتباط بأجندة معينة، وجزءًا منها دفع البلد إلى حافة الفوضى، وجر الجيش إلى مواجهة مع الشعب. ومع استبعاده حالة انكسار المؤسسة العسكرية، لأنها مؤسسة وطنية وعريقة وليس من السهل أن تنكسر كما يراد لها، إلا أن احتمال حدوث تلك الفرضية يعني انتشار الفوضى، إذ لم يبق في مصر إلا مؤسسة الجيش وهي المعبرة عن الدولة وغيابها سيؤدي إلى حروب أهلية، مطالبًا الثائر الحقيقي بأن لا يضع الشعب في مواجهة مع الجيش.بدوره، أعرب الدكتور مجدي قرقر الأمين العام لحزب «العمل» عن أسفه لما يحدث الآن، والذي قال: إنه يدمي القلب ويهدد الثورة ويضربها في مقتل، واصفًا الجيش ومجلسه العسكري بخط الدفاع الأخير. وطالب الثوار الحقيقيين بعدم الاحتكاك بالجيش المصري والمجلس العسكري، معتبرًا أن هذا ليس مهمتنا الآن، لكن مهمة الثوار هي الإصرار على محاكمة قتلة الثوار ورموز النظام السابق والمطالبة بمحاكمة علنية وتسليم السلطة إلى مدنيين. في المقابل، طالب المجلس العسكري أن يدير الأزمة برؤية سياسية أنضج وأبعد مما يحدث الآن، فهناك احتقان بين الجماهير وأيادٍ خفية، وعلى المجلس أن يعمل على تهدئة هذا الاحتقان وعلاجه، وهذا لن يكون إلا بتسريع محاكمة فلول النظام السابق، مطالبًا القوى الوطنية بالاجتماع على كلمة سواء بدلًا من الانقسام والتشرذم الموجود الآن. وحذر من أن محاولة التعدي على المؤسسة العسكرية سيدخل البلد في مرحلة طويلة من الفوضى، تعادل مئات المرات لما حدث يوم 28 يناير وما حدث 2 فبراير في «موقعة الجمل».