قبل بضع سنين دعاني أحد أهل الخير في جدة للجلوس إلى الممثل المصري التائب حسن يوسف، الذي كان حضر مع زوجته الممثلة التائبة قبله شمس البارودي، والتي التقت ببعض الأخوات السعوديات كذلك. وكان لقاءً جيدًا إلى حد ما، تحدث فيه حسن يوسف عن اعتزاله الفن الهابط، المسفّ، المخالف لتعاليم الدّين، كما كان يحدث في أفلامه السابقة من عُريٍّ، وخلاعةٍ، وعرضٍ صريح للعلاقات المحرمة، ومعلوم أن أفلامه القديمة خصوصًا بالأبيض والأسود ما كان يخلو واحد منها من كل ذلك -عفا الله عنه- وأخبرنا وقتها أنه مستمر في (العمل الفني)، ولكنه سينحو منحى آخر لتمثيل الأدوار الدينية، أو الأخلاقية على أقل تقدير. وبعد ذلك اللقاء بفترة ليست بالطويلة، شاهدنا المسلسل الذي مثّله عن حياة فضيلة العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- الذي تتلمذنا على مؤلفاته ودروسه المسجّلة، كما تتلمذنا عليه مباشرة حين درّسنا في جامعة أم القرى قبل خمسة وثلاثين عامًا. ورغم تحفظي على بعض ما جاء في المسلسل، إلاّ أنني حمدت الله أن وفّى حسن يوسف بوعده، وسألت الله أن يثبّته. وكان أن وقعت عيني على مسلسل عُرض في رمضان الماضي 1431ه عنوانه (زهرة وأزواجها الخمسة) يشي عنوانه نفسه بالشر والرزية، وإذ بحسن يوسف يكون له الدور الأول فيه، أو دور (البطولة) كما يُسمّى، إلى جانب ممثلة مصرية عُرفت بأدوار الخلاعة والمجون. لم أصدّق عيني لوهلة، ثم دققتُ النظر، فرأيت صاحبنا الذي قابلناه في جدة، يمثل الدور بلحيته البيضاء الحقيقية، وشواربه المحفوفة، وأي دور؟ دور الحاج الملتزم الثري، الذي يلهث خلف النساء، ويستميت ليتزوج من حسناء يكبرها بثلاثين عامًا، بعد أن يقع في غرامها، ثم إذا ما تزوجها لم يعدل بينها وبين زوجتيه السابقتين، ويهينهما من أجلها، ثم يكون أن يُسجن في قضية مخدرات، وتطلّق منه الزوجة الثالثة، ليخرج من بعد ذلك من السجن، ويكتشف أنها تزوجت مرتين من بعده، وأنه كان لها زوج قبله، ومع ذلك كله يستمر في لهاثه خلفها، ويدفع الملايين ما بين رشوة و(نقل قدم) لزوجها الأول، كل ذلك ليعود إليها، ثم تتركه لتتزوج زوجًا خامسًا... الخ. ضمن أحداث لقصة ساقطة تثير الاشمئزاز، ومشاهد شبه عارية للممثلة المعروفة، وضياع للغيرة والشرف، وكل المعايير الأخلاقية. وقد نجح حسن يوسف في هذا المسلسل في تشويه صورة (الحاج) نجاحًا باهرًا لم يحققه حيدر حيدر في روايته (وليمة لأعشاب البحر) التي صوّر فيها (الحاج) -وهو رمز للمسلم المسن المتدين- على أنه منافق، يجري وراء شهواته، وخصوصًا النساء. أقول إن حسن يوسف نجح في هذا التشويه؛ لأنه مثّل بلحيته الحقيقية، وليس المزيّفة كما يفعل غيره، ورسّخ صورة نمطية للمتدينين طالما حاول الكثير من الممثلين قبله ترسيخها، ولم يفلحوا. وأسف كل من تابعوه في مسلسل الشعراوي، وهم يرون صورة مَن تلبّس بصورة الشعراوي وهو يتمرغ في هذا المرتع الوخم. وسمعت تعليقات من بعض مَن شاهدوا هذا المسلسل مثل (شوفوا الشعراوي إيش يسوّي). وتعليقًا آخر على ممثل آخر مشارك في المسلسل هو (ب: ياخور)، (والمكيّون يعرفون هذا المصطلح جيدًا): (شوفوا خالد بن الوليد إيش يسوّي) والعياذ بالله أن يمثل نصراني خليع دور سيدنا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ثم يعود ليمثل دورًا ساقطًا خليعًا. لقد أصبح بعض ما يدّعيه بعض الممثلين والممثلات من التوبة، أو على الأقل الالتزام مدعاة للشك والريبة وللأسف والألم، وقد أخبرني بعض الإخوة أيضًا أن الممثلة (صابرين) عادت لتمثل أدوارًا وهي حاسرة الرأس بعد أن استقبلتها في بيتي بجدة مع زوجها قبل سنوات، وأفطرت عندي في رمضان، وكانت وقتها تتبوأ منصبًا عالميًّا مرموقًا، وأرجو أن يكون ما سمعناه عنها غير دقيق. أقول وبالله التوفيق: لو كان شيخنا الشعراوي -رحمه الله- حيًّا لكانت له كلمة في هذه الظاهرة المقيتة، وما كنت أحسب أنه سيكون موافقًا على أن يمثل حسن يوسف خصوصًا دوره في ذلك المسلسل. ولربما كان له رأي فيما بات شائعًا اليوم من أن الممثلين والممثلات إذا ما أعلن الواحد منهم توبته اليوم فسيصبح واعظًا، أو مفتيا غدًا. لسنا ضد توبة هؤلاء بالطبع، ونشدّ على يد مَن كان صادقًا عازمًا منهم، ولكن نصرّ على أن لا تتاح لهم الفرصة ليفتوا من غير علم، أو يعظوا من غير قدرة، لأن بعضهم ينتكس على عقبيه كما مثّلنا له. فإن كانت توبتهم صادقة فلتكن لأنفسهم خالصة لوجهه تعالى، وليبتعدوا عن الأضواء كي لا تبطل أعمالهم بالرياء. ولا نعلم ما تخبئ القنوات الفضائية العربية من بلاء في رمضان، مع أن المواطن العربي مشغول بما يكفيه من الهموم والمصائب. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain