في أحد الأزقة الضيقة بباب مكة حيث عراقة التاريخ والمباني يقع سوق الحمام الذي كان يومًا ما مقصدًا للباحثين عن أندر أنواع الحمام ونقطة تجمع لهواته. وفي طريقي إليه تشكلت لدي صورة ذهنية لعشرات المحلات التي تعج بالحمام والطيور بأشكالها المختلفة، لكن ما إن دلفت إليه رويدًا رويدًا إلا وتفاجأت بأن السوق العتيق لم يتبق منه إلا اسمه وثلاثة محلات فقط بعد أن كانت أكثر من 50 محلا فيما الأخرى تحول نشاطها إلى بيع الأحذية وغيرها من المستلزمات. وأثناء تجولنا في السوق صادفنا سعيد أحمد العز (42 عاما) أحد أقدم مستثمري محلات سوق الحمام الذى قال: أمضيت قرابة 25 عاما في هذا السوق، حيث بدأت ببيع الحمام على أحد الأرصفة وكان السوق آنذاك يعج بكثرة الهواة لعرض أندر الأنواع وأفخرها. وأرجع تقلص محلات بيع الطيور والحمام بباب مكة إلى «انتقال المستأجرين إلى مجمع سوق الأنعام المركزي بجنوب جدة لرخص الايجار إضافة إلى توفر المساحة الكافية لعرض البضاعة مما جعل التجار الأفغان يزحفون نحو سوق الحمام لاستئجار المحلات وتغيير نشاطها إلى بيع الأحذية. وبحنين العودة إلى الماضي تذكر بليغ أحمد الشقاع (25 عاما) أحد الذين ألفوا معالم السوق القديم بحكم مجاورته له أيام طفولته وتابع: «كان الحمام يعب السوق عبا، في المحلات وعلى الأرصفة، وأقفاص معلقة على الجدران، كان منظر السوق وقتها يوحي إليك بأنك في مجمع للطيور». وعن سبب هجرة معظم الأهالي حارة سوق الحمام علل بليغ ذلك بقوله: «كانت الرائحة الكريهة مصدر قلق وإزعاج للأهالي المجاورين للسوق»، أبرز الطيور وأشار سعيد أحمد العز إلى أن «الحمام فصائل فكلما جئت بفصيلته الأصلية زاد سعره وغلى ثمنه، ولكن بشكل عام الحمام الآن لم يعد غاليا مثل السابق وذلك بسبب إنتاجه داخل المملكة». وعن أبرز الطيور التي يتميز بها السوق قال سعيد: «يعتبر حمام (الجوكوبين) من أبرز الأنواع حيث يمتاز بريشه الغليظ ورشاقة جسمه وعينيه الكمثريتين ويبدأ سعر الأصلي منه ب 3000 ريال، وفي المرتبة الثانية يبرز الحمام الباكستاني الذي يمتاز بالتحليق والطيران في الجو لمدة 12 ساعة متواصلة وربما أكثر، ويصل سعر الجوز الواحد منه إلى 4000 ريال» ثم يأتي بعد ذلك الرقاص الأمريكي الذي يمتاز بحجمه الكبير وذيله الضخم ويبدأ سعره من 400 ريال، والقماري بأنواعها المختلفة الجاوي ،والهولندي، ويبدأ سعر الجوز الوحد ب 500 ريال».