الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه: قال الأزرقي -رحمه الله-: فأما السقاية فحياض من آدم كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة ويستقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل ويسقى بها الحاج. ولم تزل بيد عبد مناف؛ فكان يسقي الناس من “بئر كر آدم”، و“بئر خم” على الإبل في المزاد والقِرَب، ثم يسكب ذلك الماء في حياض من أدم بفناء الكعبة، فيردُه الحاجّ حتى يتفرقوا، وكان يستعذب ذلك الماء، وقد كان قصي حفر بمكة آبارًا، وكان الماء بمكة عزيزًا، إنما يشرب الناس من آبار خارجة الحرم. فأول ما حفر قصي بمكة؛ حفر بئرًا يقال لها “العجول، وكان موضعها في دار أم هانئ بنت أبي طالب بالحزورة، وكانت للعرب إذا قدمت مكة يرِدُونها فيسقون منها ويتراجزون عليها. وحفر قصي أيضًا بئرًا عند الردم الأعلى، عند دار أبان بن عثمان التي كانت لآل جحش بن رتاب ثم دثرت، فنثلها جُبير بن مُطعم بن عَدي بن نوفل بن عبد مناف وأحياها. ثم حفر هاشم بن عبد مناف “بذّر” وقال حين حفرها: لأجلنها للناس بلاغًا. وهي البئر التي في حقّ المقوم بن عبدالمطلب في ظهر دار طلوب -مولاة زبيدة- بالبطحاء في أصل الُمستنْذَر، وهي التي يقول فيها بعض ولد هاشم: نحن حفرنا بذّر *** بجانب المسنتذ *** تسقي الحجيج الأكبر وحفر هاشم أيضًا “سَجْلة”، وهي البئر التي يقال لها: بئر جُبير بن مُطعم، دخلت في دار القوارير. فكانت سجلة لهاشم بن عبد مناف، فلم تزل لولده حتى وهبها أسد بن هاشم للمُطعم بن عدي حين حفر عبدالمطلب زمزم واستغنوا عنها، فلم يزل هاشم بن عبد مناف يسقي الحاج حتى توُفّي. فقام بأمر السقاية بعده عبدالمطلب بن هاشم، فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة كلها، فكان منها مشرب الحاج. وكانت لعبدالمطلب إبل كثيرة، فإذا كان الموسم جمعها ثم سقى لبنها بالعسل في حوض أدم عند زمزم، ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج، لأنه يكسر غِلَظَ ماء زمزم، وكانت إذ ذاك غليظة جدًا. وكان الناس إذ ذاك لهم في بيوتهم أسقية يستقون فيها الماء من هذه البيار ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لأن يكسر عنهم غِلَظ ماء أبيار مكة، وكان الماء العذب بمكة عزيزًا، لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون وخارج من مكة، فلبث عبدالمطلب يسقي الناس حتى توفي، فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبدالمطلب فلم تزل في يده، وكان للعباس كرْمٌ بالطائف، فكان يحمل زبيبه إليه، وكان يُداينُ أهل الطائف ويقتضي منهم الزبيب، وينبذ ُ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم حتى ينقضي في الجاهلية وصدر الإسلام حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح، فقبض السقاية من العباس بن عبدالمطلب، والحجابة من عثمان بن طلحة، فقام العباس بن عبدالمطلب، فبسط يده، وقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، اجمع لنا الحجابة والسقاية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطيكم ما ترزءون فيه ولا ترزءون منه. فقام بين عضادتي باب الكعبة فقال: “ألا كل دمٍ أو مالٍ أو مأثرةٍ كانت في الجاهلية، فهي تحت قَدَمَيَّ هاتين إلا سقاية الحاجّ وسدانة الكعبة ؛ فإني قد أمضيتهما لأهلها على ما كانت عليه في الجاهلية” فقبضها العباس فكانت في يده حتى تُوُفي، فوليها بعده عبدالله بن عباس، فكان يفعل فيها كفعله دون بني عبدالمطلب، وكان محمد بن الحنفية قد كلّم فيها ابن عباس: مالك ولها؟ نحن أولى بها منك في الجاهلية والإسلام، قد كان أبوك تكلّم فيها فأقمت البيّنة؛ طلحة بن عبيد الله، وعامر بن ربيعة، وأزهر بن عبد عوف، ومخرمة بن نوفل؛ أن العباس بن عبدالمطلب كان يليها في الجاهلية بعد عبدالمطلب، وجدك أبو طالب في إبله في باديته بعرنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها للعباس يوم فتح مكة دون بني عبدالمطلب، فعرف ذلك من حضر. فكانت بيد عبدالله بن عباس بعد أبيه لا ينازعهم فيها منازع، ولا يتكلم فيها متكلّم حتى تُوُفّي، فكانت بيد علي بن عبدالله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجده، يأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبذه حتى توفي فكانت بيد ولده حتى الآن. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على درج الكعبة: الحمد لله الذي أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده إلا ان كل مأثرة كانت في الجاهلية فإنها تحت قدمي اليوم إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وإن ما بين العمد والخطأ والقتل بالسوط والحجر فيها مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها. ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الفتح فقال: ألا إن دية الخطأ العمد بالسوط أو العصا مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإني قد أمضيتهما لأهلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت ثم قال ألا إن دية الخطأ. قام يوم فتح مكة وهو على درج الكعبة فحمد الله وأثنى عليه فقال الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن قتيل الخطأ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ودم تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج ألا إني قد أمضيتهما لأهلهما كما كانا. ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك، فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقني. فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: اعملوا، فإنكم على عمل صالح. ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزلت، حتى أضع الحبل على هذه. يعني: عاتقه، وأشار إلى عاتقه. قال: حدثنا أبو الوليد، قال حدثني جدي، قال حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريح، قال حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن العباس استأذن النبي عليه السلام أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أستأذن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن يبيت بمكة، ليالي منى، من أجلِ سقايته، فأذن له، رواه البخاري ومسلم قال: وأراد معاوية بن أبي سفيان أن يسقى في دار الندوة، فأرسل إليه ابن عباس أن ذلك ليس لك، فقال: صدق، فسقى حينئذ بالمحصب، ثم رجع فسقى بمنى. وقال غير واحد من أهل العلم من أهل مكة: كان موضع مجلس ابن عباس في زاوية زمزم التي تلي الصفا والوادي، وهي على يسار من دخل زمزم. وكان أول من عمل على مجلسه القبة: سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس، وعلى مكة يومئذ خالد القسري، عاملًا لسليمان بن عبدالملك. ثم عملها أمير المؤمنين أبو جعفر في خلافته. وعمل على زمزم شباكًا، ثم عمله المهدي، وعمل شباكي زمزم أيضًا، فعمل في مجلس ابن عباس كنيسة ساج على رفٍ في الركن على يسارك. ولكن بني العباس حالت أعمال الملك دون قيامهم بأمر السقاية فكانوا يعهدون بذلك لآل الزبير المتولين التوقيت بالحرم، للقيام بأعمال السقاية بالنيابة، ثم تركوها لهم وأشركوا معهم آخرين للعمل في هذه الوظيفة عُرفوا باسم الزمامة، لأن السقاية مرتبطة ببئر زمزم. وقال الشيخ عبدالرؤوف المناوي: سقاية العباس كانت حياضًا بالمسجد الحرام، والآن تسقى في بركة، وأصلها بيد قصي، ثم لابنه عبد مناف، ثم لابنه هاشم، ثم لابنه عبدالمطلب، ثم لابنه العباس، ثم لابنه عبدالله بن عباس، ثم لابنه علي، وهكذا، ثم صارت لغيرهم. وكانت لهم نوّاب إلى أن بقيت في ذرية أولاد الشيخ علي بن محمد بن داود البيضاوي المعروفين الآن ببيت الريس. وقد تركت الآن سقاية العباس وصار الحُجّاج والناس يشربون من دوارق وأزيار توضع بالمسجد محبة من أهل الخير. قال ابن حجر: وسقاية العباس لآل العباس أبدًا وكانت لهم نواب. أما باب زمزم: فإن مفتاحه بيد ذرية الشيخ عبدالسلام بن أبي بكر الزمزمي المعروفين الآن ببيت الريس، من سنة ستمائة وثلاثين إلى وقتنا هذا، وعندهم مرسوم من أحد خلفاء الدولة العباسية وتأييد عليه من قبل سلاطين آل عثمان. قال الشيخ خليفة بن [أبي الفرج] بن محمد الزمزمي البيضاوي في كتابه نشر الآس في فضائل زمزم وسقاية العباس: كان بيت زمزم ليس له باب ولا غَلْق، وإنما هو مفتوح لمن دخل وورد إليها، ولذلك كان التكلم للجد بطريق النيابة عن الخلفاء العباسيين، فلما صار أمر البئر إلى الشيخ عبدالسلام بن أبي بكر الزمزمي أنهى بمحضر إلى خليفة ذلك الزمن العباسي بأن زمزم في أوقات الصلاة تكثر فيها الناس والازدحام فيشوشون على الإمام والمصلين... ثم انه لما صار أمر زمزم والسقاية إلى ذرية الشيخ عبدالسلام المذكور، أنهوا إلى خليفة زمنهم المتوكل العباسي أن بيدهم خدمة زمزم وسقاية العباس، والقصد: أن يجعلوا ضبّة على باب زمزم يصكونها بالليل وفي أوقات الصلاة، وأن يكون المفتاح عند الأكبر منهم ثم من ذريتهم، فأجابهم خليفة زمانهم بمرسوم شريف عالي، صورته: رسم بالأمر الشريف العالي المولوي الأعظم الهاشمي العباسي، سيدنا ومولانا الإمام الأعظم، والخليفة المكرم، المتوكل على الله أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، وابن عم سيد المرسلين، وسليل الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين؛ أنه لما حضر إلى أبوابنا الشريفة وأعتابنا العالية المنيفة، الشيخ الفاضل سراج الدين عمر بن الشيخ عبدالعزيز الزمزمي مفتي مكة المشرفة، والقائم عنا بخدمة زمزم الشريفة وسقاية جدنا العباس، وعرفنا أن باب زمزم لم يكن عليه ضبة يغلق بها، ولا يغلق إلا بعصفور من داخلها يفركه الداخل والخارج، وقصده: بوضع الضّبة خشية على المكان المشار إليه من دخول مافيه ضرر على المسلمين مما يحصل منه نجاسات، وأن في وضع الضبة نفع من حيث ذلك، فأردنا جبر خاطره وإخوته بما قصدوه، والإنعام مما رجوه من فضلنا وأملوه، وصحبناه مرسوم شريف ثاني إلى مكة المشرفة زادها الله شرفًا للجناب العالي الأميري الكبيري مغلباي الأمير بمكة المشرفة وناظر الحسبة الشريفة، عظم الله شأنه بامتثال ما بيد الشيخ عمر المذكور من مرسومنا الشريف المسطور وعدم التعرض له في ذلك، وأن يباشر بنفسه وضع الضّبة المذكورة هنالك، ويعمل بيد الشيخ عمر مفتاح، ويقيموا من شاؤوا من جهتهم من يتولّ غلق الباب وفتحه لمن يقصد زمزم، فليعتمد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه، ويعمل بحسبه ومقتضاه. حرر في العشرين من شوال سنة 826 ست وعشرين وثمانمائة. انتهى مختصرًا من لفظه جدًا. انتهى ما في نشر الآس. وفيه أيضًا: أصل دخول وظيفة زمزم وسقاية العباس على جدنا الأكبر علي بن محمد البيضاوي. قدم مكة عام ثلاثين وستمائة، ولما قدم مكة من العراق باشر عن الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن خدمة زمزم، فلما ظهر له خيره نزل له عنها وزوجه ابنته، فولدت منه أولادًا، وصار أمر البئر وسقاية العباس. ووقعت في زمن الشيخ شهاب الدين الزمزمي في آخر ثمانمائة وسبعة وسبعين: أن شخصًا يقال له عبدالعزيز بن عبدالله الزمزمي، إذ كُلُّ من جبذ دلوًا عليها نُسب إليها، فادعى ذلك الرجل الشراكة مع أولاد الشيخ إسماعيل الذين أخذوها من جدهم الشيخ سالم بن ياقوت، وهم وكلاء عن الخلفاء العباسيين في ذلك، ودلس ذلك الرجل على خليفة زمانهم فأشركهم معهم، وأنهى أولاد الشيخ إسماعيل إلى الخليفة، فأرسل إليهم الأمير أُزبَك فبحث عن الخدمة، وعقد مجلسًا حضره القضاة وكثير من أعيان مكة، ووقف على ما بيد أولاد الشيخ إسماعيل البيضاوي من المستندات، وظهر الحق أن هذه الخدمة لأولاد الشيخ، وأخرج المعتدين عليهم. قال الصباغ: فهي لهم خلفًا عن سلف من سنة ستمائة وثلاثين إلى وقتنا هذا، ويعرفون الآن ببيت الريّس. ثم قال: أقول: مثل هذه الحادثة وقعت في زماننا: هو أن رجلًا يقال له عبدالله حميد كان وكيلًا عن الشيخ الريس شيخ زمزم، واستمر مدة من الزمان، ثم بعد ذلك ادعى أن خدمة زمزم له شركة معهم، وأن بيده تقارير من أشراف مكة -[يعني] حكامها-، فلما سمعوا منه بذلك أرسلوا- يعني بيت الريس- رجلًا من طرفهم إلى الأستانة العلية وبيده [استنادات] من الخلفاء العباسيين ومن سلاطين آل عثمان أن هذه الوظيفة لهم، فلما اطلعوا على ذلك أطلعوهم بفرمان سلطاني يمنع كل من يعترض لهم وأن هذه الخدمة تبقى بيدهم كما كانوا عليه أسلافهم. انتهى أقول: وقد رأيت صورة عرض حال من طرف الشيخ عثمان بن أحمد الريس إلى والي ولاية الحجاز عثمان باشا، وجوابه الذي صدر منه إلى مدير الحرم.. وحرر يوم الثلاثاء 3 في جمادى الثانية سنة 1258، (عثمان بن أحمد الريس “شيخ زمزم حاليًا”). وهذه صورة الجواب الذي صدر من والي ولاية الحجاز: صدر هذا الرقيم الواجب القبول والتعظيم من ديوان إيالة جدة وجيشه ومشيخة الحرم وسر عسكرية الأقطار العسكرية إلى كل من يراه، فليكن معلومًا ما ان من القديم شيخ المكبرين وشيخ جبادين بئر زمزم كان مشرحًا ومخصوصًا لبيت الريس، وحققنا ذلك، وأيضًا مقيد ذلك بدفاتر الأوقاف الهمايونية السلطانية المرتبة جديدًا، وكانت الخدمتان المذكورتان للأكبر فالأكبر من بيت الريس، فكان الأكبر الريس علي بن محمد، فانتقل المذكور إلى دار البقاء، فصارت الخدمتان المذكورتان ومشيختهما بموجب الإرث والاستحقاق للأكبر من بيت الريس، فكان الشيخ عثمان بن الشيخ أحمد، وبحسب ما ذكر قد وجهنا للمذكور بحسب الاستحقاق والأصول، ونبهنا على حضرة مدبر الحرم بقيد اسم الشيخ عثمان بدفاتر الأوقاف الهمايونية الجديدة عند ورودها وإعراض ذلك إلى الدولة العلية، وقيد اسمه بجميع الدفاتر بطريق الإرث والأصول السابقة، فلا أحد يعارض المذكور فيما يخص الخدمتين ومشيختهما، والحذر في معارضة ذلك لصدوره من ديوان الإيالة المذكورة 19 جماد الآخرة. (ختم الولاية- توكلت على الرحمن الرحيم- عبده الحاج عثمان). وأول ما ذُكر في المصادر عن هذه الوظيفة في العصر المملوكي، يعود إلى عام 730ه، ففي العام المذكور قدم من العراق إلى مكة علي بن محمد البيضاوي الذي عُرف فيما بعد بالزمزمي وعمل عند الشيخ سالم بن ياقوت المكي أبو أحمد المؤذن بالحرم الشريف، وعمل لديه في بئر زمزم، فأُعجب بمهارته قي العمل فنزل له عن السقاية، وزوجه ابنته، فأنجبت له الأبناء الذكور الذين صار لهم أمر بئر زمزم، وسقاية العباس.. وقال الجلال السيوطي في رسالته “الأساس في مناقب آل العباس”:... وكانت لهم نواب إلى أن بقيت في ذرية أولاد الشيخ علي بن محمد البيضاوي المعروفين الآن ببيت الريس، وقد تُركت الآن سقاية العباس وصار الحجاج والناس يشربون من دوارق وأزيار تُوضع بالمسجد الحرام محبة من أهل الخير. ثم إن الأتراك العثمانيين ثبتوا آل الزبير في عمل السقاية ولا تزال رئاستها بيدهم إلى وقت قريب، وآل الزبير هؤلاء يعرفون اليوم “ببيت الريس” وكانت تعرف من قبل أسرة الريس بعائلة الزمزمي أو الرئيس الزمزمي، وكبيرهم يُعرف بالريس “رئيس المؤذنين” وقد سُميت الأسرة بهذا الاسم “الريس” لرئاستها الأذان والتوقيت والسقاية بالمسجد الحرام العهد السعودي الزاهر: قال المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله: “كل من كان من العلماء في هذه الديار أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذي راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئًا”. انتهت خدمة آل الريس على السقاية عام 1400ه، وكان آخر من تولى مشيخة السقاية أو خدمة زمزم هو الشيخ محمد عباس بن محمد رضوان بن عبدالسلام الريس الزبيري، المتوفى عام 1412ه رحمه الله. وانحصرت مهمة السقاية في العصر الحديث في “ مكتب الزمازمة الموحد” ؛ وكانت نشأته بالأوامر الملكية التالية: 1- الأمر السامي الكريم رقم 7807 وتاريخ 22/11/1351ه المصادق على تعليمات جراري الزمازمة والمحدد به رسوم تلك الخدمات. 2- المرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 9/5/1385ه بشأن تحديد عوائد أرباب الطوائف ومنها خدمات الزمزمي بمبلغ “3,30” ثلاثة ريالات وثلاثون هللة. 3- المرسوم الملكي الكريم رقم 4/ص 15217 وتاريخ 9/7/1397ه بشأن رفع أجور خدمات أرباب الطوائف ومنها خدمات الزمزمي لتصبح “ 11,55” أحد عشر ريالًا وخمسًا وخمسين هللة. 4- الأمر السامي الكريم رقم 954 وتاريخ 16/1/1402ه بالموافقة على إبقاء طائفة الزمازمة وقصر عملهم خارج الحرم المكي الشريف. وبناء عليه صدر قرار معالي وزير الحج والأوقاف رقم 367/ق/م وتاريخ 16/9/1403ه. وانحصر عمل المكتب خارج نطاق الحرم المكي الشريف في سقيا حجاج بيت الله الحرام بمساكنهم داخل مكةالمكرمة تحت إشراف مباشر من وزارة الحج. • باحث تاريخي