قلت في مقال الأمس أن عددا غير قليل من الأسئلة التي يطرحها جمهور المستفتين على رجال الدين ، لا تتعلق في الأساس بأمور تدخل ضمن نطاق الحلال والحرام . وقلت أيضا أن هذه الظاهرة تدل على إصابة عقلنا الجمعي بمرض جعله نهبا لما يشبه الوسواس القهري والفوبيا من الوقوع في الحرام ، مما اوصل هذا العقل إلى مرحلة عدم القدرة على التمييز أو تحديد الأولويات . هذا المرض الذي يؤدي في النهاية إلى تعطيل وظائف العقل ويصيب الفكر بحالة من الشلل الكامل ، هو نتيجة طبيعية للتربية العقلية القائمة بشكل أساس على الترهيب . الترهيب يعني العمل على إخافة الناس سواء فيما يتعلق بالواقع أو الغيب .. وعندما يخاف الإنسان فإنه يفقد قدرته على التفكير ، ويتصرف فقط بوحي من غريزة حب البقاء أو بمعنى آخر : غريزة الحرص على اتقاء الخطر . وبالتأكيد فإن الخطر في حالتنا هذه ، يتمثل في سوء العاقبة التي تنتظر الإنسان في الحياة الأخرى . وبالحرص على إغفال القاعدة الفقهية التي تقول بأن الأصل في الأشياء هو الإباحة لا التحريم ، ومع الحرص على الإيحاء بعكس ذلك ، ينشأ الفرد وقد تعود على التعامل مع الامور البسيطة والبديهية والتي لا تحتاج حتى إلى الحد الادنى من المعرفة العملية ، بوحي من الغريزة . وهذا هو اكبر تشويه يمكن أن يحدث للفرد ليس على صعيد العقل وحسب ، وإنما على صعيد الفطرة أيضا . إن تضخيم دور الغريزة التي ينحصر مجال عملها في جانب الحفاظ على البقاء ، وإلغاء الفطرة التي تعتبر بمثابة العقل والوجدان الأوليين - أي العقل والوجدان اللذين لم تساهم المؤثرات الخارجية في تكوينهما - هو المسؤول الأول عن التشوه النفسي والأخلاقي والفكري الذي يصيب الأفراد والمجتمعات . الإنسان الذي يعيش بوحي من غرائزه سواء تلك التي تتعلق بالحفاظ على البقاء أوتلك التي تتعلق باتقاء الخطر ، لا يمكن أن تأمن شره .. إنه متحفز وفي حالة تعبئة نفسية دائمة ، وهومستعد لارتكاب أي شيء تتخيله فقط لينجو من الخطر المحدق به . الغريزة بطبيعتها أنانية ولا تهتم إلا بالتعامل مع مخاوف صاحبها ، على العكس من الفطرة التي لا تتعامل مع الأشياء من منطلق الإحساس بالخوف ، بل من منطلق الإحساس بالارتياح أو النفور . الانتصار للفطرة هو السبيل الوحيد لوضع حد لتسلط الغريزة على العقل . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain