«الهزل بين الأدب والسياسة.. مهازل الماضي لعلاج الحاضر والمستقبل».. هو عنوان ليوم دراسي نظمه المجلس العلمي للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) في أول نشاط ب»البيت» منذ أن تولى رئاسته الدكتور محمد الطالبي وهو مفكر تونسي من طراز نادر والصادم في فكره لكنّه عميق الإيمان عذب التديّن. فلهذا اليوم دعا الأدباء والمفكرين والمثقفين، و نوّه في الافتتاح بأهمية طرح موضوع «الضحك» في هذه الفترة والمرحلة الحسّاسة التي تمر بها تونس خاصةً والشعوب العربية وغيرها عامةً. واعتبر أننا قوم نحب الضحك والابتسام للحياة، وأن هذه المسألة ضاربة في الأوساط الاجتماعية والأدبية العربية وغيرها منذ القدم وصولًا إلى يومنا هذا، أين تجسّد في تجليات عديدة ومختلفة، بدءا بالمجالس ومرورًا بالكتب والمدّونات ووصولًا إلى «الفيس بوك». عن طرح هذا الموضوع بالذات في أول نشاط له مع «بيت الحكمة» تحدث الطالبي ل»الأربعاء» قائلًا: هذا الموضوع يجب أن يكون في مستوى بيت الحكمة واسم بيت الحكمة يذكّر ببغداد وهذا يجعلنا نفكّر في أدب الهزل لا في تونس فقط بل في كامل الوطن العربي، الهزل في الأغراض الهامة جدًا في أدبنا نجده في شعرنا الجاهلي، النكتة في الشعر الجاهلي هامة، الضحك والإضحاك موجود، فهذا أذن من الأدب يغرس عروقه في أعماق تاريخنا من بداية ظهور الأدب العربي على السطح العالمي نجد الهزل، والهزل من طبيعة الإنسان وهو غرض من أهم الأغراض الأدبية ومن واجبنا أن نحاول أن نتتبع الهزل في كل أغراض أدبنا لأننا نجده في كل شيء، في كل أصنافه، حتى في المديح توجد النكتة ويوجد الهزل، نجده في الهجاء وماذا الهجاء إن لم يكن نكتة وسخرية وضحك، فهذا الصنف من الأدب هام جدًا وجدّي في نفس الوقت لأن الهزل ليس بالسخافة ليس بنوع حقير، بل هو من الأغراض الأدبية الجدّية في أعلى مستوى ويتطلب حكمة وعبقرية، نفكر في المقامات مثل ما أتى به الحريري، والهمذاني على الخصوص، فالفكر في النوادر الأدبية النادرة في اللغة العربية المبنية على الاقتضاب والقصر، فأدبنا منبع ثري جدًا يجب أن نعتني به عناية جدّية وكثيفة كي نبرز ما في هذا النوع من الأدب من أعلى القيم الإنسانية وأيضًا من التعبير عن الروح الإنسانية التي تحب الانشراح والنكتة والضحك. وعن القيمة الفكرية التي يتمتع بها أدب الهزل خاصة منه الهزل السياسي، يحدثنا الدكتور الطالبي قائلًا: أدب الهزل هو نوع من الأدب الذي يجب العناية به باعتباره نوعا عبقريا وقريحة وتفكيرا واهتماما بالأوضاع البشرية الاجتماعية والسياسية باعتبار الدور الذي يلعبه المثقف في واقعنا العربي، وهذا ليس سهلًا، خاصةً عندما يكون هناك خنق للحريات وقتل للفكر معنويًا وفي بعض الأحيان جسديًا، إذن يجب الكثير من الشجاعة ليرتقي هذا الأدب أكثر في سلم الأدب. حاجة المجتمع إلى الهزل تزداد كلما ازدادت أزمته طرح الأساتذة المدعوون لهذا اليوم الدراسي عدة مسائل في الجلسات العلمية، بداية بما طرحه الأستاذ توفيق حمدي حول مسألة الإضحاك بين متعة الهزل وصرامة الجد واعتمد «بخلاء» الجاحظ أنموذجًا وتطرّق إلى أن الضحك والمرح طبع متأصّل في الإنسان ومن العوامل والأساليب التي تساعد على التبليغ والتعليم والتأسيس والتغيير، نظرًا لأهمية خطاب الجد والهزل، خاصةً إذا تعلق الأمر ببنية النص الهزلي والإضحاك وما يحثه من انفعالات وإثارة كفيلة بالحث والتحفيز على النقد. وثمّنت الباحثة مريم المرايدي هذه المسألة في مداخلتها التي تمحورت حول «هزل الأديب» واعتبرت منابع الهزل لا تشترط ضرورة بالغباء أو بفئة معينة من المجتمع وإنما قد تصدر من منبع عفوي أو آخر مصنوع من خلال مسرحة الأحداث الهزلية أو تصويرها كاريكاتوريًا. ورغم أن طرح الأستاذ فؤاد الفخفاخ كان إثراء وتأكيدًا لمدى انتشار «الهزل» في مختلف الأوساط والقطاعات، فإنه كان مختلفًا عن سابقيه في الطريقة، و تمثّل من خلال تخصيص بحثه في «هزل الفقر وهزل السياسة»، من منطلق أن حاجة المجتمع إلى الهزل تزداد كلما ازدادت أزمته، وقد استعرض للاستدلال على آرائه نماذج من المأثورات الشعرية والأدبية التي قيلت في الهزل، كما استعرض قيمة التصوير الهزلي الذي يحاكي الوجه ليبرز الخلل الهزلي لمظهر الوجه وفضح الشخص، خاصةً في الفن الكاريكاتوري عند إخراجه في هيئة ووضعية مزرية، وهذا ما يقدر على فضحه هذا الفن الذي يخرج الأشياء من خفي إلى جلي. في حين استأثرت المداخلات العلمية الثانية لهذا الملتقى براهن الهزل، وحرص المتداخلون فيها على تقريب صورة المشهد الهزلي في واقع التونسي خاصة والشعوب العربية عامة، وذلك من خلال «المغالطات المضحكة» التي قدمها الأستاذ ماهر بوصباط في مداخلته التي تناول فيها مشاهد ومواقف حية استمدّها مما هو رائج في الأوساط الاجتماعية أو السياسية والثقافية في ظل التطورات التي عرفتها أغلب البلدان خلال السنوات الأخيرة، من خلال التلاعب بالألفاظ، والقدرة على توظيف المصطلحات، والخطاب على نحو يمكن من تحقيق المغزى والهدف، وإقناع الآخر بما يريد تبليغه رغم ما يكتنفها من لبس في محل المفعولية، وستدل على مغالطة الثنائية تلك بكيفية توظيف مصطلح الثورة وسياقات الترويج لها في المجتمعات العربية فضلًا عن كثرة تداول ذلك في الخطاب الديني والخطابات السياسية وغيرها.