أجمع شرعيون ومختصون في الأعمال التطوعية والقانونية على أهمية إشاعة ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع، مؤكدين على أهميته في بناء ورقي الشعوب وتطورها؛ إذ لاتستغني أي أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات قديمًا وحديثًا عنه، فمتى ازدادت روح التطوع للأعمال المختلفة في صفوف أفراد الشعوب كانت درجات التقدم والتحضر بقدر ازدياد تلك الروح التطوعية وانحسارها. وأشاروا في معرض حديثهم ل (المدينة) إلى دعوة الدين الإسلامي الحنيف إلى تلك الأعمال، مبرزين أدلة قرآنية ونبوية تحث على تلك الأعمال وتدعو إليها. - أشار الدكتور أحمد بن نافع المورعي أستاذ بقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، وعضو مجلس الإدارة في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمملكة العربية السعودية، ومدير مكتبها بمكة المكرمة أن الإلزام يتنافى مع العمل التطوعي؛ لأن التطوع شيء يقدمه الإنسان من تلقاء نفسه، فهو شيء محبب للنفس؛ لأنه جاء من داخلها وليس إلزامًا عليها؛ ولهذا إن إلزام أي إنسان بشيء معين ربما ينفره منه، ومشكلتنا في هذا الوقت أن الناس ينفرون من الأمور الواجبة عليهم فضلًا عن الأعمال التطوعية. ولهذا يحتاجون إلى محفزات أخرى ترغبهم في الأجر والثواب وحصول الخيرات لهم؛ مما يدفعهم إلى العمل التطوعي، ولو رجعنا إلى تاريخ العمل التطوعي فهو تقديم العون والنفع إلى شخص أو مجموعة أشخاص يحتاجون إليه دون مقابل مادي أو معنوي، وهذا هو الأصل في عمل التطوع لكن لا يمنع أن يكون في عمل التطوع محفزات، إما محفزات داخلية أو محفزات خارجية سواء من داخل النفس للترغيب في الأجر والثواب أو حتى محفزات خارجية بمكافأة أو كلمة شكر وثناء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فادعو له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». ورأى المورعي من خلال ذلك أن إلزام خريجي الجامعة في العمل التطوعي لمدة معينة أنه رأي غير صحيح لكنه لا يمنع هذا أن نشيع نحن ثقافة التطوع لدى الأفراد ولدى المجتمعات وما حادثة وفاجعة جدة، وإقدام المجتمع السعودي بكل فئاته على المساهمة والمشاركة في مساعدة إخوانهم المحتاجين إلا دليل على أن هذا الوعي موجود لدى الشباب، وأن الشباب يحتاجون فقط إلى قيادة توجههم التوجيه الصحيح والسليم. وعن أهمية ربط العمل بالتخصص قال هذا الأفضل لأننا سنجني من وراء ذلك الخير العميم بإذنه تعالى. - فيما تناول الشيخ عبدالرحمن بن محمد الهرفي الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية بداية موقف الإسلام من العمل التطوعي، بل النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على أهمية العمل التطوعي بقوله: «إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي ِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها» فهذا تشجيع على العمل التطوعي. والنبي -صلى الله عليه وسلم- وضع قاعدة كبيرة ومهمة حيث قال: «في كل كبد رطبة أجر»، وقال أيضا: «خير الناس أنفعهم للناس» والنصوص هنا عامة لأي مخلوق حتى الكافر ما لم يكن حربيًا طبعًا، فلو قدمت المعونة لأي مخلوق فلك أجر. بل أكدت الشريعة أن مساعدة الناس عبادة ففي الخبر: «لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة» والنصوص في هذا كثيرة جدًا. أما عن إلزام الناس سواء الخريجين أو غيرهم، فلا أرى ذلك، وإلى متى يعيش الإنسان عندنا تحت القهر والإلزام في كل شيء؟! وأنا واثق لو فتح الباب للناس للعمل وتم تشجيعهم معنويًا فقط سنجد أنفسنا في ورطة لصعوبة إدارة المتقدمين لكثرتهم، وعندي مثال واضح فبرنامج «الإفطار الجوال» في الدماموالخبر، والذي يديره الشيخ سعد المهنا قاضي محافظة القطيف يتقدم له عشرات الشباب والشابات كل يحب أن يساهم، وهذا في فترة الصيام والإنسان متعب، ولكن للعمل التطوعي لذة من وجدها يصعب عليه تركها، ألا وهي إدخال السعادة على إنسان آخر. المجتمع السعودي كغيره بحاجة للعمل التطوعي، والحاجة تزداد كل يوم، ومع الأسف أننا لا نملك مؤسسات خيرة كافية، بل مؤسساتنا قليلة جدًا قياسًا على حجم الدولة المترامية الأطراف. أما عن التخصص، فالعمل التطوعي فيه منفذون فهؤلاء لا يحتاج لهم تخصص وهم حمائم وبلسم العمل التطوعي، وهناك الإداري فلا بد أن يكون ذا خبرة وسيرته حسنة وموثوقًا حتى لا ندخل في إشكالات أمنية واجتماعية، ويكون المردود سلبيًا. من جانبها رأت الدكتورة هدى الشميمري أستاذ علم النفس والخدمة الاجتماعية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أن العمل التطوعي ليس إلزاميًا ولكن هو نابع من رغبة الفرد، فعندما تتوفر لدى الفرد الرغبة بجانب القدرة على العمل في المجال الذي اختاره سوف يعطي فيه بشكل أكبر مما يكون عليه مفروض. ولكن بشرط أن يكون العمل التطوعي على أسس مخطط لها مسبقًا. - بنظرة تختلف عن سابقيه رفض المحامي والمستشار القانوني محمد حسن نهار إقران العمل التطوعي بالتخصص قائلًا: التخصص ليس مطلوبا في هذا المجال، بل يترك ذلك لرغبة وهواية الشخص، معتبرًا المطالبة بالتخصص في هذا خطأ كبير من وجهة نظره، ثم عاد وقال:إن هناك أعمالًا في زوايا محددة تحتاج إلى تخصص كمباشرة الأعمال الطبية والإسعافية والأمور الاستشارية والقانونية لكن هذا الأمر في حقيقته يختلف عن الأعمال التطوعية. ورأى إلزام خريج الجامعة بالعمل تطوعيًا لفترة معينة خطأ آخر؛ لأن العمل التطوعي يرجع إلى استقرار العامل النفسي والمادي، فلا يمكن أن نأتي إلى عاطل عن عمل ونلزمه بالعمل التطوعي؛ لما فيه من انتهاك لحقوقه؛ لأن المطلوب من المجتمع توفير العمل له. والعمل التطوعي يختلف من عمل إلى عمل، فهناك أعمال يجب على المجتمع أن يزرع في أبنائه حب العمل فيه بدون إلزام، ومن هنا يجب إنشاء ثقافة خدمة المجتمع، وهذا حق على المجتمع واقع على كاهل كل فرد بدون إلزام؛ لأن الإلزام يحتاج إلى دليل شرعي ونظامي.وعن حاجة المجتمع للعمل التطوعي أبان أننا نحتاج إلى ثقافة العمل التطوعي، ولكن أيضًا نحتاج إلى ضبط المشاريع الكبيرة والجهات المنظمة ضبطًا سلسًا ومرنًا دون عوائق.