جميل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الليبي، وجميل أيضًا أن تنجح في وضع راتكو ملاديتش، المشتبه في ارتكاب جرائم حرب أثناء حرب البوسنة تحت قبضة تلك المحكمة، بعد 15 عامًا من إصدار مذكرة اعتقال بحقه، بما يؤكد على حقيقة أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم. قد يكون من المستحب التذكير بأن مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الرئيس الليبي ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني تتهمه أيضًا بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية. هذه القرارات تستحق الإشادة فيما لو اختارت تلك المحكمة الحيادية، والنزاهة في عملها الذي لا ينبغي أن يحتمل الاستثناءات، لأن القضاء وحده هو الجهاز الوحيد الذي لا يقبل الاستثناءات في التعامل مع الجرائم أيًّا كان نوعها، وأيًّا كان مرتكبوها، وانتهاكات الدول، والزعماء للقوانين الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان يعتبر -من هذا المنطلق- اختبار لمصداقية تلك المحكمة. المجتمع الدولي يعرف جيدًا أن إسرائيل عملت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الضغط في اتجاه محاكمة مجرمي الحرب النازيين المسؤولين عن (الهولوكوست)، وفق قائمة بأسماء أولئك المجرمين، وهو ما نجحت فيه من خلال تشكيل محكمة نورمبرج، وحيث قامت بنفسها في غضون ذلك وبعده بملاحقة الأسماء الواردة في تلك القائمة، واستطاعت من خلال (الموساد) القبض على المطلوب الأخير فيها قبل نحو عامين. بيد أن إسرائيل التي اقتصت من النازيين عن طريق محكمة شُكّلت خصيصًا من أجلها، مارست نفس الجرائم في حق الإنسانية، ليس ضد الفلسطينيين وضد العرب فقط، وإنّما أيضًا ضد الإنجليز وغيرهم من الأوروبيين، والأمريكيين منذ أربعينيات القرن الماضي، بدءًا من اغتيال الكونت برنادونت، ولورد موين، وشنق الجنود الإنجليز على الشجر خلال فترة الانتداب لدفع بريطانيا للانسحاب من فلسطين؛ حتى يتمكنوا من إعلان دولتهم ، مرورًا بقصفها لسفينة التجسس الأمريكية ليبرتي أثناء حرب 67، وحتى الوقت الراهن باستمرارها في انتهاك القانون الدولي في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وقتلها لمدنيين عزل على أسطول الحرية-1 العام الماضي، وتهديداتها الأخيرة بتكرار تلك الجريمة ضد أسطول الحرية- 2 الذي يتوقع وصوله إلى غزة الأسبوع المقبل؛ ليظل السؤال معلقًا: لماذا صمت أوكامبو عن جرائم إسرائيل في حق الإنسانية حتى الآن؟