ليس لديّ اعتراض على انتشار القنوات الدينية بهذا الشكل الذي بات يبدو عجيبًا. اعتراضي حول هذا الموضوع ينصب حول تخصيص جل الخطاب الذي تقدمه بعض هذه الفضائيات، لتكريس حالة الشحن الطائفي، والتعبئة المذهبية. وهذا هو أكبر خطر يهدد الوحدة الوطنية، ويهدم قيمة المواطنة، ويضرب مفهومها العام في مقتل. العجيب أن جميع دعاة الحرب والاحتراب بين الطائفتين الإسلاميتين الكبريين (السنة والشيعة)، يعرفون أنهم يخوضون معركة لا يمكن حسمها بشكل من الأشكال. فالسنة لن يتحولوا إلى شيعة حتى ولو لم يشاهدوا إلاّ القنوات التي تنتقص من مذهبهم.. والشيعة لن يتحولوا إلى سنة حتى ولو لم يستمعوا إلاّ إلى الأفكار والفتاوى التي تُشكِّك في سلامة عقيدتهم. من المعروف أن تحفيز المقاومة، وتنشيط ماكينمزيمات الدفاع والوصول بها إلى ذروة الفاعلية، هو نتيجة طبيعية لتعرض أي فرد، أو جماعة لعملية هجوم منظم. وهو ما يحدث عادة في حالات التناحر الطائفي، والتراشق المذهبي. هذه هي إحدى البديهيات المعروفة عن الإنسان، وطبيعة تكوينه، فما الفائدة إذن من استمرار حالة الاحتراب هذه، ومَن هو المستفيد من وراء استمرارها..؟! الشيعة والسنة طائفتان يعود تاريخ ظهورهما إلى حوالى ألف وأربعمائة سنة، وطوال هذا التاريخ دارت المعارك الطاحنة بين الطرفين، وحاول كل فريق أن يفرض قناعاته على الفريق الآخر دون جدوى. فمتى نتعلم من التاريخ، ومتى نواجه الحقيقة التي تقول بأن الإكراه، والإساءة، والتجريح، والتعبئة، والاحتراب، ليست هي الوسائل المناسبة لتحويل فكر الطرف الآخر، وجعله يتبنى نفس وجهات نظرنا..؟! حتى في العلاقة مع غير المسلم، حذر الله سبحانه وتعالى جماعة المؤمنين من اعتماد التجريح كأسلوب لدعوة الآخرين، ولحثهم على مراجعة قناعاتهم، ومعتقداتهم، والدخول بالتالي في الإسلام. يقول تعالى: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدْوًا بغير علم كذلك زيّنا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون) الأنعام. هل بعد قول الله سبحانه وتعالى قول آخر..؟! [email protected]