يبدو أن التقرير الطبي النفسي الذي يفر منه الكثيرون ولا يفكرون بمراجعة العيادات النفسية هربا منه إلا سراً و بأسماء مستعارة وقد لا تحدثهم أنفسهم لزيارتها مطلقا ، حفاظا على السمعة ، إلا أن استمرار الحال على هذا المنوال بدأ يكبدنا ضرائب باهظة و ربما يأتي يوم نرى فيه تقارير الطب النفسي و هي مؤطرة بالذهب و الألماس و معلقة على حوائط غرف الاستقبال في منازل المعتلين الذين ارتكبوا جرائم بشعة و لم يجدوا مفرا منها سوى سرداب التقرير الطبي النفسي ، فحين نكون في معرض الحديث عن جريمة بشعة تقشعر منها الأبدان و يندى لها جبين الإنسانية و تصادر الشعور بالأمان من المجتمع والأفراد ، تتعالى بعض الأصوات المتحذلقة بتبرير الجرم بالعارض النفسي فتطلب الرأفة و الرفق بالمجرمين و معالجتهم و استصلاحهم غاضة النظر عن تجاوزهم لحدود الله وعن بشاعة جرمهم و فداحة جرائرهم على ضحاياهم و أسر ضحاياهم و المجتمع بشكل عام ، رغم أن مرتكبي هذه الجرائم لم يرتكبوها و هم تحت العلاج النفسي و لم يفروا من المصحات النفسية للعلاج ليرتكبوا جرائمهم ، بل كانوا يعيشون حياتهم بشكل عادي و يواظبون على دوامهم الرسمي تفاديا للحسم من الراتب فلم يلحظ أقرب المقربين و المحيطين بهم أي مؤشرات تقلقهم أو تشعرهم بأن خطراً يلوح في الأفق ، فكيف يحتاط المريض النفسي المسكين و يخادع أكثر الناس التصاقا به ، كيف يتمكن من الترتيب لجرائمه دون أن يشعر به أحد لا الأقارب ولا زملاء العمل ، ولا السلطات الأمنية ؟! مؤخرا صدمتنا بعض الجرائم الغريبة علينا و هزت إنسانيتنا و ضمائرنا و جاء طرح العارض النفسي مستهترا بكل ما يحيط بمرتكبي الجرائم و بشاعة جرائمهم ، فهذا طفل ينحر في الشارع و نجد من يقول إن الجاني مريض نفسي و مدمن ينبغي علاجه ، و هذه أم تدهس أكثر من خمس عشرة مرة جيئة وذهابا بعد أن أوصل الجاني أبناءها لبيت جدتهم ترتيبا لارتكاب الجريمة ، ثم يعلن عن حكم مخفف الجريمة بدواع نفسية في حين لم يعلن عن أي عقوبة للجهة التي كانت تباشر علاجه و لم تحذر من خطورة حالته و لم توصِ بالتحفظ عليه طالما كان خطرا على المحيطين به ، ما يعيد ذاكرتنا لقراءة جريمة أخرى بشعة ارتكبت قبل سنوات حين قتل الزوج زوجته وأخاه و ركض خلف الأخ الآخر و أصابه بطلق ناري في الشارع ثم عاد للتمثيل بجثة زوجته بالساطور وأعلن حينها عن أنه كان يتلقى العلاج وربما لم يتناول الدواء دون أن تعاقب الجهة التي قبلت بإخلائه و احتمالات ارتكابه للقتل واردة ، و أخيرا تطالعنا كاميرات الرقابة برصد مؤلم لمجرم جديد في جريمة متعددة الأبعاد و نجد أصواتا تنعق بمعالجته و احتمال اعتلاله النفسي ، و في قلوبنا غصة مما عرضته كاميرات المراقبة و أفلامها التي لم تقرأ على نحو وقائي و لم تنقذ الضحايا اللاتي رصدت الكاميرات الترتيب لخطفهن ولم يحل التسجيل دون الخطف و لم يسرع في القبض على المجرم ما يظهر احترافية التخطيط لارتكاب الجرائم و التواري بها عن الأنظار و يتعارض مع سذاجة العارض النفسي و قسرية دوافعه ، لنتساءل أين الجهة التي نصبت الكاميرات عن تحليل محتوياتها في الوقت المناسب ؟ و أين الأهالي عن أطفالهم ؟ وكيف يتاح لشخص غريب إجراء حوار ودي مع طفلة يكسب به ثقتها و يتمكن من اصطحابها على الملأ دون مقاومة وأهلها غافلون ؟! * لو كان الأمر مرتبطا بالتقديم على وظيفة ، لجهدنا في الحصول على شهادة لياقة صحية لمرضانا للفوز بالوظيفة ؟ وحين يكون في الأمر جريمة وعقاب نجهد للحصول على شهادة مريض نفسي !