حين تنتصف الشمس كبد السماء في ظهيرة صيف يتوقد لهباً، يحرق كل حي فيه روح تتدفق.. يأوي الناس جميعاً إلى بيوتهم ليمنعوا عنهم لهب شمس لم تشخ ولم تكهل منذ أن خلقها الله، وستظل إلى أن يشاء عز وجل .. تلك البيوت روعي فيها عند تنفيذها أن هناك شيئاً يُقال له الكهرباء!! فتنازلنا عن تراث أجدادنا القديم الذين لم يشتكوا حر السماء صيفاً ولا برد الأرض شتاءً.. كانوا يُصمّمون بيوتهم لتكن عليهم في الصيف برداً وسلاماً، ولتكن لهم في الشتاء دفئاً وحناناً.. لم يشتكوا أحداً، ولم يتذمروا أبداً.. تعاملوا مع الطبيعة بالطبيعة، فنجوا واستكانوا واطمأنوا.. ونحن تعاملنا مع الطبيعة بالصناعة، وأسّسنا للكهرباء شركة تُنظِّم أمرها وعلى إثر ذلك ولثقتنا العمياء ولسذاجتنا المتأصلة بدواخلنا تنازلنا عن إرثنا التراثي فخسرنا القديم والحديث، وكانت النتيجة أن تنقطع الكهرباء والشمس على رؤوسنا تتعامد فنحترق، حتى نكاد نكون لحماً مشوياً وحين تتجافى الشمس جانباً نكاد أن نتحول قوالب ثلج ومثلجات.. وحين أكتب الآن ما أكتب، فإنما عباراتي تخرج من صميم قلب محترق، أحرق جسد صاحبه النحيل، أرض تتوقد وشمس تتوهج وشركة كهرباء لا تعير الإنسان اهتماماً ولا تضع له حسباناً، وفيم أستظل الآن تحت ظل جدار خارجي محتميا من حر الشمس بظله، تلفحني تيارات هواء محملة بذرات الغبار؛ بعد أن طفح الكيل وأنا أنتظر بالداخل على أمل أن تعود الروح لتيارات الكهرباء، فأغرقني العرق حتى تبلل جسدي، وثقلت ملابسي.. مرت ساعة واثنتان والثالثة قد بدأت ولا أدري متى ستنتهي اللعبة ؟!! أليس هذا من نتائج الاحتكار يا شركة الكهرباء.. إنا لله وإنا إليه راجعون.