قضية التوطين شغلت بال كل الغيورين على الوطن، وتقع مسؤوليتها على كل الجهات ذات العلاقة، إلاّ أنها من اختصاص وزارة العمل التي يقع على كاهلها رسم خارطة الطريق؛ للخروج من المأزق الحالي لأزمة التوطين. لقد عكفت وزارة العمل من خلال لقاءات متعددة مع الشركات والمؤسسات الكبرى والمتوسطة للتعرّف على واقع قضية التوطين، وأسباب التعثّر، كما عقدت عدة ورش عمل في مختلف المناطق، والتقت بأكثر من (400) من الخبراء وأصحاب الفكر من أجل بناء برنامج وطني يستهدف تحفيز المنشآت بأسلوب واقعي وعملي وعادل، بما يحقق قدرًا من توطين الوظائف، وقد وضعت في اعتبارها معرفة الوضع الراهن الذي يشهد زيادة سنوية في أعداد الخريجين، وما يقرب من (488) ألف مواطن ومواطنة عاطلين عن العمل، ومؤشرات تدلل على تزايد أعداد الباحثين عن العمل، وأن معدل البطالة قد بلغ 10.5%، وتزداد الفجوة بين الذكور والإناث تصل بينهن إلى 28.5% ثلاثة أرباعهن حاصلات على شهادة جامعية، والواقع المشار إليه استوجب إيجاد حلول قصيرة المدى، وبعيدة المدى، وسياسات للإحلال، ومبادرات لتسهيل إحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة، مصحوبًا بخطة لتنشيط النمو الاقتصادي، ورفع مستويات التأهيل العلمي والتقني والمهاري للشباب، بالإضافة إلى مراجعة سياسة الإنفاق الحكومي، وكل ذلك بهدف جعل التوطين ميزة تنافسية للمنشآت ومكانتها، بما يساعدها على تحقيق نسب توطين مرتفعة، بمجموعة من الحوافز والخدمات، بما يساعدها على النمو، ويجعل توظيف السعوديين عنصرًا لنجاح الأعمال، وهو سهل المنال في ظل هذا التوجه المحفز الجديد «نطاقات». لقد تم إعادة تصنيف الأنشطة الاقتصادية لمراعاة الاختلاف في خصائص الأنشطة، وارتفعت من (13) نشاطًا إلى (41) نشاطًا، في الوقت الذي تم تقسيم المنشآت في كل نشاط إلى شرائح حسب الحجم؛ لمراعاة تأثير الحجم على قدرة التوطين لتحقيق مبدأ العدالة بين المنشآت، وتم تأطير هذه القواعد ضمن نظام آلي يضمن الدقة والعدالة في التقييم والتعامل. وبعد.. فالإنسان عدو ما جهل، وإذا كانت الفرصة قد أتيحت لي مع غيري للاطّلاع على هذا المشروع الحيوي (الوطني) للتوطين، فإن على المنشآت أن تبذل قدرًا من الفهم لاستيعاب هذا البرنامج الذي تميّز بشموليته، والذي استهدف تحقيق مصالح وطنية عليا ضمن أطر متوازنة، وهو مقدم كفرصة ذهبية بعيدًا عن أساليب التعسّف التي تلجأ لها بعض الحكومات، وضمن نظام تقني مقنن، بعيدًا عن الأهواء. لقد لمست المنشآت ما تحقق خلال الستة أشهر الماضية، إذ تم تجديد (4) ملايين رخصة عمل آليًّا، دون الحاجة إلى الذهاب والإياب والمراجعات التقليدية. ماذا بقي إذًا؟! إن على وزارة العمل تكثيف الحملات التوضيحية عبر كل الوسائل المتاحة لاستيعابه، وإيجاد خط ساخن للإجابة عن الاستفسارات، كما أن عليها أن تتوقع بعض الهجوم ممّن لا يعجبهم التغيير والتطوير، أو أن يكونوا أعداء لما جهلوا، أو ممّن سيتأذّى من نظام (نطاقات)؛ لأنه سيحد من ظاهرة التستر، وبالرغم أن (نطاقات) قد ترك المؤسسات الفردية (9 فأقل) معفاة في المرحلة الراهنة من التوطين، إلاّ أن البعض سوف يقاوم التغيير مهما كانت أهدافه ومراميه، وأختم بالقول بأن وزير العمل الحالي له من اسمه نصيب، فهو عادل فلا يقبل بالظلم على غيره، وهو فقيه في مجاله، فهو ينتمي أصلاً إلى مؤسسات القطاع الخاص، وله نجاحات متميّزة فهو -بلا شك- يستشعر دوره كرجل أعمال سابق، ودوره كمسؤول يمثل الدولة في مجال عمله. إن (نطاقات) مليء بالحوافز، ويخدم الواقع الحالي، تحفه المصداقية والشفافية، دقيق ومرن، وبالتالي فإن صاحبة القرار هي المنشآت، وسوف نرى في الأيام المقبلة مَن يتّخذ التوطين شعارًا ومن لا يتخذه. فاكس: 026980564 [email protected]