ظل البحر الأحمر على مدى التاريخ بحيرة عربية خالصة إلى أن أقام الإسرائيليون ميناءً لهم في قرية أم الرشرش حمل اسم إيلات، يومها قال دفيد بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية مطلع الخمسينيات من القرن الماضي «لقد أصبح الطريق مفتوحا لإسرائيل إلى شرق إفريقيا»، لكن الحضور العربي في البحر الأحمر ظل طاغيا ومؤثرا حتى بلغ إحدى ذراه في حرب أكتوبر عام 1973 عندما تمكن الأسطول المصري من إغلاق البحر الأحمر عند مضيق باب المندب ليحرم السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى اسرائيل من الوصول إلى ميناء إيلات. لكنّ مياها كثيرة جرت في البحر الأحمر أصبح بعدها مستباحًا تسبح فيه أساطيل قوى دولية عدة مستفيدة من حالة الهلع التي انتابت الملاحة الدولية بسبب ظاهرة القرصنة عند مدخل البحر الأحمر أمام سواحل الصومال، فدخلته أساطيل ما يقرب من 30 دولة بينها الهند والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا، وأخيرًا إيران التي أرسلت قبل يومين غواصتين قالت بوضوح إنهما تقومان بمهمة عسكرية لجمع المعلومات. أمن البحر الأحمر جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي على الأقل بالنسبة للدول المشاطئة له، وهو من هذه الزاوية يستحق أن ينال قدرًا أكبر من الاهتمام من جانب جامعة الدول العربية، كما ينبغي أن يكون موضع تنسيق كامل بين الدول العربية المشاطئة له، فالتنمية والتجارة والسياحة والمصايد، ناهيك عن السلامة الإقليمية لتلك الدول تقتضي تعاونًا أوسع وأعمق باتجاه تبني رؤية أمنية عربية لمنطقة البحر الأحمر برمتها. الأمم لا تكبر فقط كلما كبر اقتصادها أو زاد عدد سكانها ، فدروس التاريخ تقول إن الأمم تكبر فوق الماء، والتاريخ القريب مازال يذكر كيف أن أممًا صغيرة كالبرتغال، وإسبانيا وأخيرا بريطانيا التي لم تكن تغرب عنها الشمس، كلها كبرت فوق الماء عبر استراتيجيات بحرية تكفل حماية أكثر وأمانًا أعلى لسواحلها والبحار المشاطئة لها. أي مشروع نهضوي عربي ينبغي أن يضع في الاعتبار تلك الحقيقة، فالأمم التي ترسل أساطيلها إلى البحر الأحمر تتطلع إلى دور فيه وفي الدول المشاطئة له، الأمر الذي يقتضي سياسة عربية أكثر وضوحًا والتزامًا تجاه أمن البحر الأحمر، الذي لا يمكن تركه لغواصات إيران وبوارج إسرائيل.