إن الشعر أهم فنون الأمم، وأرقاها، ومنذ فجر التاريخ فاخرت كل الأمم دون استثناء بشعرها وشعرائها بالدرجة الأولى، إذ كان الشعر مرآة حضاراتها وتأريخها وأفراحها وأحزانها وانتصاراتها وبطولاتها. ولم تكن الأمة العربية بِدْعًا في ذلكم، بل إن الشعر كان -ومازال، وسيبقى- الفن العربي الأول، فعلى مدى الدهر، ما كان العرب نحّاتين، ولا رسّامين، ولا قصّاصين، ولا ملحميين، بل كانوا شعراء مبدعين، ومحلّقين قبل الإسلام وبعده. وقد احتفى الإسلام بالشعر، فذاد هذا الفن الرفيع عن حياض الإسلام، ومازال يذود، قال سيّد الخلق وأفصح العرب (بيد أنه من قريش) لحسان حين كان يدافع عن دين الله ورسول الله (أهجُهم يا حسان وروح القدس معك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا، وإن لمن الشعر لحكمة). كما استحسن صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير، وخلع عليه بردته. وسيبقى الشعر العربي الأصيل إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها -بإذن الله- درعًا من دروع الإسلام، وراية من رايات الحق والفضيلة، متقدمًا عن كل ما سواه من الفنون، سواء كانت من فنون القول أو سواها. ولقد احتفت جامعة الملك عبدالعزيز بالشعر منذ بداية تأسيسها، فأقامت المسابقات الكبار ليتبارى فيها ذوو المواهب الشعرية وذواتها من الطلاب والطالبات. وخصصت لهم الجوائز المجزية وكرّمتهم أيّما تكريم، وأنا العبد المفتقر إلى رحمته تعالى، حكمت مسابقات الشعر لما يقرب من ثلاثين عامًا في مسابقات عمادة شؤون الطلاب. وقد كشفنا خلال هذه العقود الثلاثة عن مواهب كبيرة، ونافسنا بها في المحافل الدولية، وحققنا ما حققنا من فوز -ولله الحمد والمنة- وقد بقيت هذه المسابقات ولم تتوقف، إلى أن توجتها مسابقة جديدة منذ بضع سنين اهتمت بالشعر، خصوصًا هي مسابقة (شاعر الجامعة)، ووُضعت لها قواعدها الخاصة بها، وشروطها المميزة، فكان أن تعرفنا على نجوم ساحرة، ومواهب باهرة، وفي كل عام نكتشف عدة شعراء، وعدة شواعر يمثلون صفوة الصفوة في هذا الفن، ويعتبرون من النوابغ دون أدنى شك. وقد أصبح كثير منهم ومنهن اليوم ملء السمع والبصر، ونافسوا في مسابقات دولية في الفضائيات، وحققوا مراكز متقدمة. وترجع فكرة هذه المسابقة إلى الابن العزيز سعادة الدكتور سعيد بن مسفر المالكي رئيس قسم اللغة العربية، وهو أول من سعى لجلب الدعم لها ماديًّا ومعنويًّا من داخل الجامعة وخارجها. ونجحت أيّما نجاح خلال السنوات الماضية. وقد أقيمت المسابقة هذا العام يوم السبت 25/6/1432ه وتعرّفنا كذلكم على شعراء وشواعر جُدُد حصلوا على جوائز أربع بعد جولة من المنافسات طويلة، حكّمها ناقدان، وناقدتان من أعضاء هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، وأفخر بأن اثنين منهم هم من طلابي النجباء سعادة الدكتور مروان قماش، وسعادة الدكتور مجيد بامخرمة، ومعهما أختان فاضلتان عالمتان هما سعادة الدكتورة ابتسام باحمدان، والدكتورة صباح باعامر. وقد نقدنا شعر المتنافسين والمتنافسات نقدًا صارمًا، ووجهنا لهم نصائح جد دقيقة، ووضعنا معايير شديدة الدقة للمفاضلة بينهم تتصل بالمبنى والمعنى، أحدها اتصل بالبديهة الشعرية، إذ طلبنا من كل منهم أن ينشئ بيتين جديدين في دقائق معدودة. وقد اخترنا ثلاثة طلاب، وطالبة واحدة، لنشهد بذلك مولد أربعة من الشعراء الجدد، نتوقع لهم مستقبلاً أدبيًّا واعدًا. فمستواهم في الشعر يضاهي مستوى كثير من الشعراء في العالم العربي إن لم يتفوقوا عليهم دون أي مبالغة. وخلال الحفل الختامي للأنشطة الطلابية الذي تنظمه عمادة شؤون الطلاب أُعلن عن اسم شاعر الجامعة لهذا العام، وهو الطالب عبدالكريم الوايلي من كلية الاقتصاد والإدارة، وإمعانًا من الجامعة في الاهتمام بهذا الفن العربي الأصيل كانت الجائزة استثنائية، إذ تسلم شاعر الجامعة مفتاح سيارة جديدة من معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب. كما أعلنت في الحفل أسماء نجوم الكليات من الطلاب المتميزين والمتفوقين والمشاركين في الأنشطة الطلابية، ومن بينهم اختير نجم الجامعة، وهو الطالب مصعب الحربي من كلية الآداب، وقُدمت في الحفل (أوبريت البيعة) التي حكت بالشعر والإيقاع والأداء الفولكلوري والمؤثرات الفنية عالية وعالمية المستوى، حكت قصة إنجازات حضارية تحتاج لمائة عام لتحقيقها، أنجزت -ولله الحمد- في ست سنوات في عهد عبدالله بن عبدالعزيز. فكيف لا يجدد بيعته له شعب أحبه وتفانى في حبه بكل فئاته وأطيافه وشرائحه؟! وهذا الأوبريت، وهذه الجوائز قيمة مضافة إلى نجاحات عمادة شؤون الطلاب بالجامعة بقيادة الزميل الكريم الأستاذ الدكتور عبدالله مهرجي، ومعه ثلة من الإخوة والأخوات. بقي أن نقول: إننا نؤمل في الإدارات الجديدة للأندية الأدبية التي بدأ تشكيلها في كل أنحاء المملكة، أن تتيح الفرصة لهؤلاء الشعراء والشاعرات الشبان والشابات الذين اخترناهم من بين مئات المتقدمين والمتقدمات في السنوات الماضية، والذين يزيد عددهم عن العشرين من صفوة الشعراء المتلقين المحلقين الذين ينافسون كبار الشعراء في العالم العربي دون أي مبالغة. نتمنى أن يشاركوا في كل الفعاليات الشعرية في الأندية الأدبية، وأن يُطبع نتاجهم الشعري؛ لأنهم شعراء المستقبل، ومن أثبتوا أن شعرنا العربي الأصيل بخير.