يتطوّر العالم، ويذهب بعيدًا في آفاق التقدم بكل أطيافه، وينافس في بناء الإنسان الذي هو وحده محور التنمية والتطوير فهو غايتها وهدفها، وهو بانيها ومحركها. هناك مَن يصنع التقنية، وهناك مَن يستخدم التقنية، والبون شاسع بينهما، فصانعها يضع بذور التنمية، ومستخدمها يحصل على الثمرة بالسبق التنموي التطويري، وربما اكتفى الأول بالمال، بينما حصل الثاني على نوعية أجيال. مع بداية هذا العام الدراسي، بدأت سنغافورة استخدام «الآي باد» في مدارسها في التعليم العام، وفرح الأطفال بذلك لا لأنها أعفتهم من حمل الكتب، بل لأنها خطوة تلبي ما في نفوسهم من شغف التقنية، والتفاعل معها. ليست سنغافورة فقط، بل هناك اليابان، وكوريا الجنوبية التي بدأت من عام 2007 وضع المناهج على أجهزة لوحية تمهيدًا للتحوّل إليها، في الوقت الذي استخدمت اليابان ذلك تجريبيًّا في بعض المدارس. الفرصة مواتية أمام بعض المدارس في المملكة كي تأخذ قصب السبق، وتنال نصيبًا من نقلة نوعية تربط الطفل بمصدر معرفي مباشر لا يحتاج في كثير من الأحيان إلى وسيط يلقنه ويخرج منه نسخة مكررة له. ليس في الأمر أكثر من وضع المنهج على الجهاز، وإنزال الأثقال التي ترهق كاهل الأطفال وتكسر ظهورهم، بل هي الفرصة لخلق المتعة التي تحتاج إليها العملية التعليمية، بحيث يجد الطفل نفسه أمام جهازه الذي اعتاد على أن يكون للعب فقط، ليصبح مصدر علمه وتعلمه. المطلوب هو الخطوة الجريئة التي تتخذها مدرسة أو مجموعة من المدارس في تحقيق هذا الأمر الذي يعتبر حلمًا للبعض وواقعًا ميسورًا للبعض الآخر، ولا ينتظر في ذلك الوزارة لأنها لا يتوقع أن تقدم على هذا، خاصة وأنها بدأت منذ سنوات تبحث أمرًا قريبًا من هذا ولم تصل لشيء بعد.