اذا كان اسم الدكتور البرادعي يرتبط في مصر بمصطلح (التغيير) فإن حمدين صباحي هناك مرادف ل(المواجهة) والحاصل أن حمدين يظل يواجه منذ ان كان (طالباً) في عهد الرئيس السادات حتى أصبح (نائباً) في عهد الرئيس مبارك. على أن المسافة بين حمدين الطالب وحمدين النائب بسيطة للغاية ولا تتجاوز أمتاراً قليلة زرع فيها صباحي زهوراً من الأمل وبنى فيها جسوراً من الثقة. سألته عن المرحلة الحالية التي تمر بها مصر، وعن برنامجه الانتخابي ورؤيته للدولة المصرية الجديدة وعن قضايا أخرى كثيرة.. وحين سألته عن ظاهرة الانفلات الأمني قال حمدين صباحي ان البلطجية معروفون بالاسم وتوجد لدى الأمن قائمة باسمائهم ومن ثم فإن السيطرة عليهم وإعادتهم للسجون ممكنة لو صدقت النوايا. ويطرح صباحي فكرة جيدة يدعو فيها المتنافسين على الرئاسة للنزول إلى الشارع والمساهمة في القضاء على البلطجة. وبنى حمدين صباحي برنامجه الانتخابي على ثلاث ركائز هي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية القرار الوطني. وعن شكل الدولة يقول إنها لا علمانية تفصل الدين عن السياسة ولا دينية بالمفهوم الكهنوتي. وعن طموحاته للشعب المصري قال: الغذاء والسكن والعلاج والتعليم والعمل والأجر العادل والتأمين الشامل. إلى التفاصيل: * سألته ما توصفيك للوضع الحالي في مصر؟ - قال: مصر في اعتقادي أنجزت ثورة عظيمة بشهادة العالم وفي كل الثورات يمكن التقسيم إلى مرحلتين مهمتين الأولى هي: هدم النظام القديم والأخرى بناء نظام جديد.. ولقد أنجزت مصر هدم النظام القديم لكنها لم تنجز بعد بناء النظام الجديد.. هي في مرحلة الانتقال. * سألته: إذن ما الذي أنجزته الثورة المصرية على وجه التحديد؟ - قال: أطاحت برأس النظام.. ضعضعت عموده الفقري، لكنها لم تتمكن من تطهير بقايا هذا النظام.. وبعبارة أخرى، فلا الركام الكبير الذي انهال فور سقوط النظام تم إزالته، ولا ذيول النظام وباقي قواه المتناثرة تم القضاء عليها. ولهذا تكتسب مرحلة الانتقال الآن أهمية خاصة نتيجة ما فيها من سيولة ومن جهود حثيثة تبذلها قوى مضادة للثورة اكتسبت مصالحها من ارتباطها بالنظام.. وهذه القوى لا أسميها ثورة مضادة وإنما أسميها قوى مضادة، لانها أقل قدرة على ان تكون ثورة لانتقادها العناصر البشرية المحركة. ان الشعب في اتجاهه العام مع الثورة أما هذه القوى تمتلك أموالا طائلة وأدوات حادة أهمها البلطجة وقدرة التلاعب بالمفاهيم المغلوطة والأساليب القذرة مثل الفتنة الطائفية. * قلت: وما دلائل عبث هذه القوى؟ - قال: أبرزها ما حدث في امبابة من حرق الكنيستين هناك، ولا يمكن فصل ما تم في امبابة عما قاله الرئيس السابق مبارك ذات يوم من انه لا يريد البقاء في السلطة ولكنه مضطر للاستمرار حفاظا على الاستقرار وحفظ حقوق الأقليات في اشارة واضحة وغزل صريح للغرب. * قلت: وما هي ملامح أو عناصر خطورة القوى المضادة على وجه الدقة؟ - قال: في ظني ان هناك ثلاث نقاط تتمركز حولها القوى المضادة وهي على وجه الترتيب طرة – شرم الشيخ – تل أبيب أو فلنقل طرة وتل أبيب وما بينهما شرم الشيخ، وهذه النقاط يمكن ان نبرهن عليها بسهولة، وهي تشترك كلها في امكاناتها المالية الهائلة التي يمكن ان تنفقها على استجلاب البلطجة وترسيخ غياب الأمن ومحو المؤسسة الأمنية أو كفها عن القيام بدورها في حفظ أمن مصر. ان افتقاد الأمن ناحية، وضعف المؤشر الاقتصادي من الناحية الأخرى يمثلان البيئة المناسبة للقوى المضادة ليس لاستعادة نفوذها فهذا أمر مستحيل، وإنما لتعطيل واعاقة مسيرة ومهام المرحلة الانتقالية ما بين هدم النظام والبدء في النظام الجديد. التطهير مفتاح الحل * قلت: وكيف يمكن لمصر ان تعبر فترة الانتقال؟ - قال: هذا هو السؤال.. والضمانة الأولى في هذا الأمر هي كلمة التطهير، وهكذا فان المهمة الأولى في المرحلة الانتقالية هي تمكين وتحصين الثورة من خلال تطهير النظام القديم، والاتفاق ديمقراطياً على النظام الجديد. * قلت: كيف؟ - قال: ان نسعى لان يكون لدينا رئيس وبرلمان منتخبان وعندها يبدأ العد التنازلي للجهاد الأعظم وهو بناء الدولة وبناء المجتمع.. لقد انتصر المصريون في الجهاد الأصغر وأمامنا الآن الجهاد الأكبر.. هذه رؤيتي العريضة أو وصفي الدقيق لما تمر به مصر في هذه الفترة. * قلت: أريد وصفاً أكثر دقة لملامح المرحلة الانتقالية لمصر؟ - قال: هناك تنازع الآن ما بين إرادة شعبية نجحت كما قلت في هدم العمود الفقري للنظام القديم وتريد التطهير والتمكين للثورة وبقايا نظام أشبه بجيش مهزوم تسبب ازعاجا وقلقا على المستوى الأمني والاقتصادي. انني مهموم في هذه اللحظة بأزمة السولار والبوتجاز في قرى ومدن مصر. لقد عاش الشعب المصري طوال عمره في أزمات من هذا النوع، لكن حدوث ذلك الآن بالإضافة إلى غارات البلطجة على مستوى الأمن.. يجعلنا نتذكر حكمة قوله تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فإذا كان شبح الجوع ومخاوف الأمن يسيطران الآن، فأعتقد ان مهمة المجلس العسكري ومجلس الوزراء الآن هي الا تتعرض مصر لأزمة اقتصادية (لا في السولار والبوتجاز ورغيف العيش وأسعار السلع التي ترتفع الآن ولا في أمنها واستقرارها). اننا نريد إجراءً سريعاً يعيد الأمن لمصر وهذا الإجراء يحتاج بالضرورة لسلوك ناضج بنضج الثورة.. نريد من المجلس العسكري تحريك جزء من الجيش الذي هو محل احترام الشعب المصري للأخذ بيد الشرطة وبتعاون اللجان الشعبية من أجل حملة واسعة لتطهير مصر من البلطجية. قوائم البلطجية * قلت: كيف؟ - قال: ان قوائم البلطجية معروفة بالاسم وهؤلاء هم الذين يسببون أشكالا متفاوتة من الذعر وهؤلاء يمكن جمعهم في ليلة واحدة.. لقد نجح السادات في القبض على 1536 شخصاً في أحداث سبتمبر، فما بالك بالجيش والدولة المصرية بمجلسها العسكري ومجلس وزرائها المحترم والعون الشعبي. وأرى كذلك ان ينزل كل مرشحي الرئاسة للشارع للمشاركة في هذه الحملة ضد البلطجية. ان حملة وطنية من هذا النوع يمكن ان تسقط كل البلطجية المعروفية بالاسم لدى قوات الأمن وبعد ذلك لا بد من محاكمات عادلة وعاجلة للمقصرين. اننا ندعو ضباط الشرطة للنزول والمشاركة الفاعلة ومن ينزل منهم سنعينه ونحميه كأفراد أسوة بالحملات الشعبية التي حمت الثورة في أصعب أيامها.. سنحضنهم ونحميهم حتى من أي كلمة يوجهها أي فرد من أفراد الشعب لهم. في المقابل ينبغي ان نفرض تعاملا آخر مع أي ضابط شرطة يتقاعس عن أداء مهمته الوطنية، ومن ذلك ان يعزل من منصبه فورا بقرار من وزير الداخلية، أو عبر محاكمة شرطية أو عسكرية وبسرعة يمكننا ان نستعيد الأمن. وفي رأيي ان أهم من محاكمة حسني مبارك التي لا بد ان تتم تعبيراً عن العدالة وليس من قبيل الانتقام والتشفي هو القضاء على البلطجية وعودة الشرطة بطريقة صحيحة. لكن هاتين القضيتين الاقتصاد والأمن ترتبطان أيضاً بمجموعة مطالب لا بد ان تتم ومنها حل فوري للمجالس المحلية باعتبارها أساساً قاعدياً للفساد، ولا أفهم كيف يحل البرلمان السيئ ولا يحل الأسوأ منه، وحل اتحاد العمال بنقاباته الصفراء، وبناء نقابات أكثر تعبيرا، وتكوين اتحاد عام للفلاحين واتحاد عام للطلاب وللفنانين وهكذا.. ثم الدخول الفوري في تطبيق العدالة باعتبارها شرط التصالح في الوطن المصري الجديد.. ومن ثم لا بد من التوقف أمام أربع جرائم هي: قتل المتظاهرين، والنهب الاقتصادي لثروات مصر، والتعذيب في سجون حبيب العادلي، وتزوير الانتخابات. ولن تنجز فكرة التطهير والقضاء على بقايا الفساد الا بمحاكمة كل من ارتكب أو شارك في الجرائم الأربع وعلى رأسهم الرئيس السابق حسني مبارك وعائلته وأركان نظامه. الصفح والتصالح * قلت: وماذا عن الصفح والتصالح؟ - قال: ليس لي أي موقف من السيدة سوزان ثابت زوجة مبارك وأنا من المنتصرين لحفظ كرامة الناس وعدم التعريض بهم.. لكن هناك فارق جوهري بين حفظ كرامة هؤلاء جميعا لان هذا حقهم وبين الافلات من العقاب باعتبارها أمرا محتما لكل الشرائع الإنسانية. ومن هناك فلا يمكن ان يقبل ان يدفع الرئيس مبارك أموالا مهما كان حجمها لكي يتفادى المحاكمة. ان أي عفو عن أي فرد في عائلة أو نظام حسني مبارك مقابل المال يعني التحايل على العدالة.. وبنفس القدر فان تقديمهم لمحاكم استثنائية أمر مرفوض، فمن حقهم الدفاع عن أنفسهم من خلال التقاضي العادل والمهم ان تكون مهمة المحاكمة عادلة وعاجلة فليس من المعقول ان نقضي كل هذه الفترة في الحديث عن الدخول لطرة والخروج منها.. لان كل ذلك مدعاة لتوترات أمنية في الداخل وفي الخارج أيضاً.. نريد عدالة سريعة. فالعدالة البطيئة ظلم ولا بد من اتقاء شر أي فجوة بين الجيش والشعب في ظل تباطؤ هذه الإجراءات.. ولا شك ان قرار الافراج عن السيدة سوزان مبارك نتيجة توقيعها على ثلاثة توكيلات أمر لا يريح المصريين.. خاصة وان أحدا لا يعرف هل الفيلا والأموال التي وقعت على إعادتها هي كل ما تملكه أم لا.. اننا لن نفرح بدخولها سجن القناطر ولا أريد لها ذلك ولكنني أرى ان تظل وزوجها محبوسين في عنبر حتى حسم أمرهما قضائياً. وتتضح حقيقة حجم أموالها.. نحن لا نريد عدالة استثنائية وإنما نريد عدالة سريعة واقترح هنا ان تشكل عشر دوائر فوراً من القضاة العاديين لمحاكمة كل بقايا النظام القديم. رسالة للمصريين في الخارج * قلت: ما الذي تقوله للمصريين العاملين في الخليج؟ - أقول لهم: ان الله الذي نصرنا في 25 يناير قادر على ان ينظرنا بعد 25 يناير بحيث نبني دولتنا الجديدة.. لقد كنا شعباً وجيشاً يداً واحدة وسنظل كذلك.. وكنا مسلمين ومسيحيين يداً واحدة وسوف نظل كذلك رغم كل محاولات الوقيعة وبإذن الله سنتمكن من استكمال ما بنيناه. ملامح رئيسية * قلت: وماذا عن أبرز ملامح برنامجك الانتخابي؟ - قال: هدفي المحدد والواضح في برنامجي هو ان نتفق كمصريين على مشروع قومي يتلخص في الانتقال بمصر من دولة نامية أو متخلفة إلى دولة متقدمة بالمعايير الدولية للدول المتقدمة. وأرى في ؟؟؟؟؟ على مدى زمني محدد (8 سنوات) القدرات على النهوض ببلادي والقفز بها إلى مسار الدول المتقدمة على غرار ما حدث في دول أخرى كالصين وماليزيا والبرازيل وغيرها. ان عنوان برنامجي الانتخابي هو ان مصر خلال 8 سنوات يمكن ان تنتقل إلى دولة متقدمة وضمن الاقتصادات الصاعدة في العالم. وهذا يتطلب ان يتوافر في هذه الدولة ثلاث ركائز أسعى من خلال برنامجي ان أؤسسها وهي: الديمقراطية في دولة يتساوى فيها المصريون دون تمييز، وصندوق الانتخابات هو الممر لأي مسؤول من أول عمدة القرية إلى رئيس الجمهورية.. قضاء مستقل وبرلمان قوي، ورئيس محدد ومحدود الصلاحيات يحاسب أمام الجميع إذا اقتضى الأمر.. دولة مدنية لا هي علمانية تفصل الدين عن السياسة، ولا هي دينية كهنوتية، لان الإسلام لم يعرف في تاريخه الدولة الدينية.. دولة تشرع وتنهض على أساس أخلاقي مستمد من الدين والأخلاق والعادات والتقاليد التي تصنع هوية تجمعنا كلنا وهي الهوية العربية الإسلامية. هذا ما أراه في الركيزة الأولى وهي الديمقراطية أما الركيزة الثانية في برنامجي الانتخابي فهي العدل الاجتماعي وهذا لن يتم الا بالإنتاج والنمو المتصاعد في قطاعات الصناعة والزراعة واقتصاد الخدمات.. والعدالة في توزيع الناتج يتجه لانصاف الفقراء وهم أكثر من 50% من شعب مصر على الأقل.. سعياً لعودة الطبقة الوسطى باعتبارها الضمان المستمر للنهضة المستديمة.. انها الطبقة التي تنتج كل شيء بدءاً من السلع وحتى الأفكار.. وهي القادرة على مواصلة الارتباط بهويتها الوطنية. وباختصار فان هذا يتطلب الاقرار بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مثل الحقوق المدنية والسياسية.. أي حق كل مصري ومصرية في الغذاء والسكن والعلاج والتعليم والعمل والأجر العاجل والتأمين الشامل والبيئة النظيفة هذه الحقوق الثمانية لا بد ان ترتبط بالحقوق المدنية والسياسية. أما الركيزة الثالثة والأخيرة لبرنامجي الانتخابي فهي استقلال القرار الوطني المصري وهذا يستدعي ربط مصر بدوائرها الطبيعية وأولى هذه الدوائر الدائرة العربية لان مصر هي جزء من أمتها العربية العظيمة. وهذا يحتاج بدوره إلى صنيعة للوحدة العربية لا يقوم على الحنين للماضي بقدر ما يقوم على توفير شروط النهضة الشاملة ولدينا تجربة أوروبا وبعبارة أخرى فأنا مع صنيعة قيام اتحاد عربي قائم على أسس اقتصادية سليمة وعلى الأمن المشترك. أنا مع نظام عربي جديد يتجاوز جامعة الدول العربية التي اجتهدت طوال تاريخها ولم تحقق تطلعات الشعب العربي على مستوى الاقتصاد الصاعد ولا في مجال الأمن المشترك ولا على مستوى الثقافة. أما الدائرة الثانية فهي الدائرة الافريقية فنحن جزء من قارة عظيمة ولا بد ان تلعب مصر دورها الافريقي الغائب منذ زمن بعيد.. نريد ان نعود لافريقيا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً من خلال الازهر الشريف والكنيسة المصرية مع التركيز على دول حوض النيل. أما الدائرة الثالثة وهي الدائرة الأشمل فهي الدائرة الإسلامية حيث لا بد من تعاون مع كل القوى الإسلامية مثل تركيا وإيران، والمهم ان تكون علاقات خالية من المماحكات مع تركيا والخلافات مع إيران حيث ان ذلك لا يفيد الأمة الإسلامية.