تصدر قرارات تكليف لبعض الموظفين بإدارة جهة ما، أو قسم من الأقسام فيها، ويشكّل ذلك حملاً ثقيلاً على الشخص المكلّف من تحمّل لتبعات ذلك التعيين، واتّساع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأقل ما في ذلك ما يتحمّله من ضغوط وأعباء، ومكالمات خلوية تسبب ضررًا صحيًّا، واقتصاديًّا لا يخفى. والعجيب أن تلك القرارات تذيّل بعبارة: لا يترتب على هذا القرار أي مزايا مالية! والمتأمل تنتابه الحيرة، وتتضخم لديه علامات التعجب حتى تؤدّي به إلى الاندهاش؛ فكيف يمكن أن يتصوّر المرء وضعًا كهذا، تكليف ومسؤولية بدون أي تبعية؟! وبالعودة إلى الأنظمة في وزارة الخدمة المدنية، وما يعتريها من قصور واضح في هذا الجانب، وما يتخللها من هفوات كبرى، يدرك أن الخلل يكمن في عدة أمور، ومنها: * أنه لا يوجد ضمن وظائف الخدمة المدنية مسمّيات يمكن من خلالها شغر تلك الوظائف، ومنحها مزايا مالية؛ فلا توجد وظائف مديرين، أو نواب مديرين، أو مساعدين في جل الوظائف والأقسام الإدارية! * أن مَن وضع نظام الوظائف الإدارية -وأتصوّر أن ذلك كان قبل نحو خمسين عامًا- لم يضع في اعتباره أن كل جهة يفترض أن يعيّن لها مدير، ونائب (مساعد، أو وكيل ...)، وأنهم يتحمّلون المسؤولية الكبرى في تلك الجهة، ومن غير المعقول مساواتهم بغيرهم الذي تحجّمت مسؤولياتهم، بل وربما كانوا في منأى عنها إداريًّا. * عندما تطورت الأمور، واتّسع حجم تلك الإدارات، لم تبادر الخدمة المدنية إلى وضع بدلات، أو حوافز لهذه الفئة، الذين يبذلون جهدًا مضاعفًا، ويتحمّلون مسؤولية أكبر، وهذا ظاهر للعيان. وإنه لمن المؤسف أن تظهر بين الحين والآخر قضايا واتهامات لأناس إنما بذلوا أنفسهم ووقتهم (المدير في كثير من الأحيان يعمل ساعات عمل إضافية بلا مقابل) وأموالهم (من خلال فواتير الجوال والضيافة وغيرها) من أجل القيام بما وكل إليهم بلا مقابل، وكان يفترض أن يعلن في سياق تلك الأخبار أن ذلك المسؤول لا يتقاضى أي زيادة في مرتبه، ولا أي بدلات إضافية. ولا أريد أن أضرب أمثلة، ولك -عزيزي القارئ- تخيّل أن جميع مديري المدارس، ووكلائهم، ومديري المستشفيات، ومَن في حكمهم من رؤساء أقسام وغيرهم، بل وتطوّر ذلك ليشمل مديري عموم لفروع وزارات، جميع هؤلاء لا يتقاضون زيادة في مرتباتهم، مع اضطلاعهم بمسؤولياتهم الجسيمة، وأعبائهم الثقيلة التي ربما أقضّت مضاجعهم. إن المطالبة باستحداث وظائف بمسمّياتها الواقعية أمر حان أوانه، ونحن نعيش عصر الإصلاح، وهذا يندرج -في تصوّري- تحت هذا السياق، وتحديث أنظمة الخدمة المدنية من أهم لوازم الإصلاح الإداري. ولا يمكن -منطقيًّا- مطالبة شخص ما بالمزيد من الإنتاجية، والتطوير والارتقاء بالعمل، والتحفيز غائب، وهو يعمل بلا مقابل على ذلك العمل. وزارة الخدمة المدنية مطالبة بإعادة النظر في هذا الأمر، وهو ما سينعكس إيجابًا على الأداء، والمفترض أن تتعامل بمنطقية في وظائفها من خلال مسمّياتها، وتطبيق ذلك على أرض الواقع، فهل ننتظر منها ذلك؟! [email protected]