تمثل الوثائق المعتمدة أحد أهم مصادر إثبات الوقائع التاريخية في الحقب الماضية، بما تنقله من صور حقيقية لما كانت عليه الدول في حقبها المتتالية، ولقد عنيت المملكة عناية كبيرة بأمر الوثائق، من حيث حفظها وترميمها، والحصول عليها من مظانها المختلفة. وقد تم الكشف مؤخّرًا عن وثيقة تثبت حرص الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على حفظ حقوق الرعايا الأجانب، وعلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على الجميع بدون استثناءات سواء من رعاياه أو من الوافدين إلى هذه البلاد ويثبت ذلك في خطاب أمير جازان صالح عبدالواحد لأمير الشعبين في 11 شوال 1347ه والذي جاء فيه: “أن تفهم علاقات حكومة جلالة الملك سيدي ومولاي المعظم مع الحكومات الأجنبية ويكون لديك معلوم أن الأمر هذا ما ينصبر عليه لأنه يلزم علينا أن نحافظ على رعايا الحكومات الأجنبية كما يلزم على الحكومات الأجنبية أن تحافظ على رعايانا”، فنجد في هذه الوثيقة أن الملك عبدالعزيز كان يحث أمراءه وموظفيه على الاهتمام بالرعايا الأجانب، وأنهم عندهم سواسية لا يفرق بين جنسية وأخرى، ونجد ذلك من خلال إنصافه لآدم الصومالي رغم أنه من دولة لا تمثل أي ثقل في ذلك الوقت. وقد حصلت الأربعاء على وثيقة مراسلة صالح بن عبدالله عبدالواحد إلى السيد مصطفى بن محمد المعمي في 11 شوال 1347ه، والتي جاء فيها: “من صالح بن عبدالله بن الواحد إلى جناب المكرم الماجد الهمام السيد مصطفى بن محمد النعمي سلمه الله آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السؤال عن أحوالكم.. كتابكم المكرم وصل وما عرفته كان لدي فحبكم معا مع عرفته عن وصولكم المركز وجلبكم القبائل إن شاء الله انكم موفقون وندعو لكم بالتوفيق والسداد كذلك بارك الله فيك جانا آدم الصومالي جبرتي ويذكر انه مأخوذ في بلاد قنا العام الماضي في شوال ويذكر انه لم يحصل له القدوم يشتكي إلا في هذا الوقت فأنت تفهم -سلمك الله- علاقات حكومة جلالة الملك سيدي ومولاي المعظم مع الحكومات الأجنبية ويكون لديك معلوم أن الأمير هذا ما ينصبر عليه لانه يلزم علينا أن نحافظ على رعايا الحكومة الأجنبية كما انه يلزم على الحكومات الأجنبية أن تحافظ على رعايانا هذا واصلك رجالنا دغش بن سالم إن شاء الله تعالي تساعدونه لكل جهدكم وتبذلون الجهد ترجعون ما هو للمذكور وسلام”. كما حصلت على وثيقة مراسلة من الحسن بن علي الإدريسي إلى السيد مصطفى بن محمد النعمي في 5 ذي القعدة 1347ه جاء فيها: “من الحسن بن علي الإدريسي إلى السيد الهمام المكرم مصطفى بن محمد النعمي عافاه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد.. فإنني أحمد إليكم الذي لا إله إلا هو مصليا ومسلما على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه واصلكم ولدنا دغش بن سالم من خصوص مشكلة الصومالي الذي جاءتك في الكتاب السابق من الأمير صالح بن عبدالواحد، اجمع المتمين وحضرهم هم والصومالي لدى الشريعة وما حكمت به الشريعة فهو رضى للجميع ودمتم”. كما حصلنا على وثيقة أخرى من الأمير صالح بن عبدالله بن عبدالواحد إلى السيد مصطفي بن محمد النعمي جاء فيها: “من صالح بن عبدالله بن عبدالواحد إلى جناب الأخ المكرم الأغنم السيد مصطفى بن محمد النعمي سلمه الله تعالى آمين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام نرجو الله أن تكونوا حايزين تمام الصحة والعافية وبعد خطكم المكرم وصل وقد ذكرتم به انكم احضرتم اهل قنا ودغش لدى القاضي فهذا الذي يجب وتبرأ به الذمة نرجو الله أن يوقف الجميع لما فيه صلاح البلاد والعباد ما تم ودمتم بلغ سلامنا الابن احمد ودمتم محروسين والسلام”. وكان العلامة الشيخ إبراهيم بن زين العابدين قد فصل في هذه القضية عندما حضر إلى مجلس القضاء دغش بن سالم نائبًا عن الحاج آدم والشريف محمد بن إبراهيم عميش أحد أعيان قبيلة قنا وحكم بينهما بما جاء في الشريعة الاسلامية وارتضيا الحكم، حيث جاء في الصك الذي أصدره القاضي في 24ذي القعدة 1347ه: “حضر لدي دغش بن سالم نائبا عن الحاج آدم وادعى على الشريف محمد بن ابرهيم عميش الحاضر بمجلس الدعوى بأن رجلين من قبيلة اهل قنا لم يسمها المدعي جهلا بحقيقتهما قائلا انهما عارضا ادم المذكور بجهة قنا فامسكاه واخذا منه مئة واربعين جنيها فرنجيا وستة واربعين ريالًا مصريًا وذهبا بالمال المذكور فهو يطالب به ورجوعه إلى مولاه فاجاب الشريف محمد بن ابرهيم بالانكار ونفي العلم فالتمست من المدعي اقامة البينة على صحة دعواه فأظهر العجز عن اقامة البينة وابدا مكتوبا عن القاضي عبدالله المعلمي بقلمه ولفظه فيها المتهمون آل امجحيره وكبيرهم حسن بن محمد ولد ابو حليمة وولد حسن بن مريع فاذا هو مجرد اخبار عن تهمة لا عن حقيقة فلا يترتب عليه ضمان عملا بقوله صلى الله عليه وسلم “على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين” بانه ما أخذ المال ولا أمر ولا حضر ولا يعلم آخذه فحلف على البت والقطع على النفي المذكور وانه ما يعلم من اخذه وحلف معه علي بن طالع من اعيان أهل قنا وعلي مشعي ويحيى بن سالم وعلي المصعدي كلهم على البت والقطع في حق انفسهم وعلى نفي العلم في حق الغير وبعد هذا كله حكمت بسقوط المطالبة والضمان عن اهل قنا واجريت هذا وامضيته السيد الجليل مصطفى بن محمد النعمي والشيخ حسن بن علي لتيني ومحمد بن عبدالله وعبدالقادر بن احمد بن بكري وعلي بن ماطر وجميع مسلمين وكتبه وقاله ابرهيم بن زين العابدين”. وثائق مهمة وحول هذه الوثيقة التقى “الأربعاء” بالدكتور علي بن حسين الصميلي رئيس قسم التاريخ بجامعة جازان الذي أوضح أن هذه الوثيقة التي سطرت في عام 1347ه بعد معاهدة مكة التي وقعت بين الحسن الإدريسي والملك عبدالعزيز في عام 1345ه والتي بموجبها أصبح الملك عبدالعزيز مسؤولا عن حماية إمارة الأدارسة ونجد في هذه الوثيقة منذ بداية حكمه طبق أحكام الشريعة الإسلامية على الجميع مواطنين أو رعايا أجانب، فقد حفظ حقوق الرعايا الأجانب. مضيفًا بقوله: مثل هذه الوثائق تعكس حرص الملك عبدالعزيز على تطبيق الشريعة الإسلامية على الذين يوجدون داخل بلاده بدون استثناء سواء من رعاياه أو من البلدان الأخرى، وتؤكد حرص أمراء الملك عبدالعزيز وموظفيه وإدراكهم لأهمية مثل هذه القضايا، وتشير هذه الوثيقة إلى العملة الموجودة في ذلك الوقت الجنيه الفرنجي والريال المصري، وكذلك حرص القاضي على إحضار أشراف أهل قنا وآل امجحيره ومجالستهم للمدعي دغيش بن سالم النائب عن الحاج ادم، وتثبت هذه الوثيقة ان السيد مصطفى بن محمد النعمي كان أميرًا على الشعبين وقنا وانه استمر في إمارته تلك في عهد الملك عبدالعزيز. مختتمًا بقوله: إن هذه الأوراق توجد في مكتبة الأستاذ عبدالفتاح بن نعمي بن مصطفى النعمي وتوجد لديه وثائق كثيرة لها علاقة بدخول منطقة جازان في طاعة الملك عبدالعزيز.