إن مثل المفكر والمبدع مثل النجوم المضيئة فإذا مات كذلك مثل النجم الذي اختفى وضوؤه مازال مشتعلاً وخلود المفكر والمبدع بكتبه وإبداعه التي تعبر المستقبل ونحن عاصرنا الأديب الراحل عبدالله بن خميس، وسننهل من أعماله وينهل من بعدنا، ومما أراه في فكر الراحل قطاف هي أنه يتشكل شعر عبدالله بن خميس من بنية فوقية تشتمل على تكوين ينتمي إلى التسامي بالمعتقد والتسامي بالانتماء العربي والتسامي بالانتماء الوطني. وشعر الشاعر يدور في إطار هيمنة تلك المحاور، ولا ريب فإن كل أبناء الجزيرة العربية يتعانقون معه، ولا ريب في أنه يتسامى بالأنا فهو فخور بذاته التي دأب على تكوين مكوناتها الذهنية. فالشاعر مشحون بالهاجس الديني، فالانتماء الإسلامي وثقافته وتاريخ الأمة الإسلامية، وقيام الدولة السعودية تحمل راية العقيدة كل ذلك شحنه بالروح الإسلامية وكانت هي القوة الروحية له التي يفتخر بها وينافح عنها ويبتهج لتعاليمها ويتألم لاضطهادها وانهزامها. لذا تفجرت تجربته بالمقاصدية الإسلامية التي هي صدى لمسيرة الحوادث الإسلامية المعاصرة، وارتفع عاليًا بصوت الذاكرة الإسلامية ذات المحامد والأمجاد فهي كونت القوة ذات التأثير المحوري المهيمن به: أمة نحن لا نبالى الأعادِى أو نُحابى مهينة أو مريبة نحفظ العهد والعلاقة بالله ونبقى لكل جيل حَسيبَه وتحدث عن التاريخ الاسلامي الذي شهده في حياته عن فلسطين : الثأر يوقظه الحسام المنتضى والحق _ كل الحق _ فيما قد قضى قالت به (فتح) وقلنا عنوة يهنيك يا (فتح ) الطريق المرتضى رفضت محادثة السلام وانها لخديعة أوْلى بها أن تُرفضا تخذ السلام العاجزون تعلةً أين السلام ؟ فما أعلّ وأمرضا!! قلنا لعالمنا بنُصْفَة حقّنا فأشاح عن سنن الصلاح وأعرضا واليوم نستفتى السلاح فإنه أهدى سبيلاً نحو أسباب القضا ويرى الشكلانيون إن الشكل هو العنصر الاجتماعي الحقيقي في الأدب وأرى أن هذه المقولة تصدق كثيرا على شعر ابن خميس، فإبداعه كله يتواصل مع التراكيب الاجتماعية التراكمية المتوارثه، والبنية المحورية التي تنامى الشاعر في تركيبتها ، فهو متوارث لحياة المجتمع العربية وواعٍ بالحياة الاجتماعية الإسلامية ذات الجذور العربية وحقل مملوء بالتكوين الاجتماعي المعاصر فهو نجدي متأثر بمكانه. وهو ابن الدرعية بتركيبتها المتعددة عاصمة الدولة السعودية وموؤل... الدعوة حاملة التجديد الديني في جزيرتنا العربية منذ ثلاثة قرون: فآزره آل السعود ولم ينوا لإعلاء دين الله أبلوا وشيدوا فأرسوا على أرض الجزيرة دولة يحوط حماها مصحف ومهند فمن هاهنا سادوا ومن هاهنا علوا ومن هاهنا تاج العلى كان يُعقد ومن هاهنا شوس الملوك تتابعوا إذا مات منهم أصْيدٌ قام أصيد ومن هاهنا تغزو الجيوش جحافلاً فكم أتهموا في كل صقع وانجدوا يروحون أفواجاً إليه كأنما لهم فيه من شطآن دجلة مورد فعاد إلى الإسلام سابق مجده ولم يبق من يعثو بظلمٍ ويفسد ومع التكوين الالتزامي لبنية الذهنية عند ابن خميس لم يكن منغلقاً عن الأفكار الحديثة المفيدة بل مبادراً لها وشجاعاً في الصدع بها فهو أول من دعا مباشرة وزير المعارف\ سمو الأمير فهد بن عبدالعزيز في عام 1373ه إلى تعليم المرأة ونحن نرى ملامح ذلك في أسرته فالقاصة (أميمة الخميس ) من أوائل من كتبت في القصة وتواصلت مع المقالة ، وقد جسد الله أمنيته في عهد الملك فهد وفي زمن الشاعر، ومما قاله: يانصير العلم هل من شرعة تمنع التعليم عن ذات الخبا إنها في ذاتها مدرسة إن خبيثاً أنجبت أو طيبا فمعاذ الله أن تبقى بنا دمية للهو فينا تُجتبى وإذا ماثُقفت فتياننا أعلنوا ضد النساء الحربا كيف يرضى عالم جاهلة تقلب البيت جحيماً ملهبا يخرج الأطفال منها صورة إن ينالوا العلم ضلوا الأدبا ونحن لو وقفنا على تحليل النص المعاصر وفتقنا اللفظة ودلالاتها والتراكيب وسياقاتها والصور وما تحمله من كم هائل موروث ومقتطف من المعاصر لوجدنا أن تفكيك النص يفيض. علينا من الدلالات الاجتماعية والنفسية والصور الموحية في مجمل تكوينها للجزيرة العربية بمكانها وزمانها، وتعانق عاداتها وتقاليدها وتوارث معتقدها وهذا يتجلى في كثير من شعره ومنه: في مغانٍ من الجمال حديثٍ ومعانٍ من الجلال نجيبة فهى أسد العرين في سالف الدهر وحصن الولا ومهد العروبة شربت من عصارة الدهر مرّاً وتحسّت خبث الشراب وطيبه كل حين تعدو عليها العوادِى من مصابٍ يعتامها أو مصيبة كلما خف للجهاد فريق عرف الموت من ذويه نصيبه ويتولد الخطاب الفكري في شعر ابن خميس من انفعال العنف والغضب الذي يجلل أكثر خطابه الإسلامي لا سيما في القضية الفلسطينية، فهو مشحون بالاضطهاد الغربي الذي يحتضن إسرائيل ويبرر فتكها وقتلها واحتلال المقدسات الإسلامية، وقد تشكل هذا الانفعال الغاضب العنيف في قصيدة تل الزعتر: سل عنهم ( التل ) كم أفنوا وكم تركوا أشلاءه كتلاً ، طيناً على الطين كم ذا ينادى به طفلٌ ووداعة عبر الحصار : ألا قومى أغيثوني إن شعر ابن خميس يورد على المتلقي كماً هائلاً من الخواطر فمن خلاله يتم استدعاء المجتمع فهو يحتاج إلى تحليل النص اجتماعيا ولو أن هناك باحثين يفككون مدلولاته لتبين لهم أنه منهل فكري ، ولو قيض الله له باحثين في اللغة لتكشفت لغة الصحراء وموروثها فشعره ينحته من صخر فيه سمات القوة والحزم والعزم ، وتنبثق منها التراكمية العربية الممتزجة بالروح الإسلامية، وبتاريخية المنطقة.