نعم هذه الحقيقة التي لا بد لنا أن نعايشها، وأن نغوص في أعماقها، وأن نستفيد من نتاجها ألا وهي (ثورة المعلومات الرقمية)، التي أتت نتاجًا طبيعيًا للتطور التكنولوجي الذي حدث في المجتمعات بعد التطور الصناعي، حيث انعكست تلك التحولات التكنولوجية الإلكترونية المتسارعة سلبًا وإيجابًا على حياة الدول والشعوب، وتوغلت في مسيرتهم وشؤونهم السياسية سواء الداخلية أو الخارجية. ومن هذا المنطلق أقدمت العديد من الدول إلى محاولة سرعة مواكبة هذا التطور الهائل وتغيير سياساتها الرجعية القديمة بطريقة تجعلها تتكيف مع تلك المتغيرات العالمية المتسارعة، وبعبارة أبسط نستطيع القول: (إن التكنولوجيا الحديثة غيّرت بناء السياسة العالمية، وسوف يتعين على سياستنا العربية أن تعايش ذلك بطرق مناسبة، أي أنه إذا ركزنا على القوة الصلبة للدول والأمم فقط فسوف تفوتنا الحقيقة الجديدة، وعندها نفشل في إحراز أي تقدم لمصالحنا ومثلنا وقيمنا)، حيث بات من الاستحالة بعد الآن أن تتمكن الدول والحكومات والأنظمة في مختلف أنحاء العالم من السيطرة على تدفق سيل المعلومات القادمة من الخارج، أو أن تستطيع بطريقة فعالة أن تحتوي الثقافة الرقمية الجديدة التي أطلقتها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت). عندها ستجد أغلب الدول في أنحاء العالم نفسها متأخرة ومتخلفة كثيرًا عمن سواها في حال لم تنتبه إلى حقيقة أن أسلوب المركزية القديم في إدارة الدولة وتسيير شؤونها الخارجية والداخلية (قد أكل عليه الدهر وشرب) وتلك هي الحقيقة التي تؤكدها ملايين الحواسيب العملاقة، وشرائح السيلكون التي استبدلت أطنان الأوراق، فبات احتواء تدفق المعلومات على الإنترنت وقنوات الستالايت الفضائي، وحجب المواقع، أو المنتديات، أو المدونات، وغيرها من وسائل تبادل البيانات والمعلومات ضربًا من ضروب الخيال أو الجنون، ويقول دوغلاس ماكغري في كتابه (أرخبيل السيليكون) بأن حركة المرور على شبكة الإنترنت ظلت تتضاعف مرة كل مئة يوم على مدى السنوات القليلة الماضية، ففي سنة 1993م كان هناك نحو خمسين موقعًا على الشبكة في العالم - وبحلول نهاية عقد التسعينات زاد العدد إلى خمسة ملايين موقع أي ما يقارب 65 ألف موقع شهريًا، فكيف بالعدد اليوم ونحن نلج العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. ومن خلال ذلك نستطيع أن نؤكد أن هذه الثورة الرقمية ستشكل موردًا خصبًا لمرتادي الإنترنت وعالم الشبكة العنكبوتية، بحيث ستتقلص المساحة السيسولوجية بين المجتمعات والشعوب في شتى بقاع العالم، وسيتمكن الكثيرون من الحصول على المعلومة خلال وقت قصير، كما أنها ومن جهة أخرى ستشكل التحدي الأكبر لبعض الأنظمة «القمعية» التي ترفض انسلال السيطرة من بين يديها أو ترفض التنازل عن لعب دور المركزية في شؤون إدارة سياساتها الداخلية والخارجية وبالتالي فإنه بات على تلك الدول (أن تتخلى عن بعض الحواجز المانعة لتدفق المعلومات التي كانت تاريخيًا تحمي المسؤولين من النظرة الخارجية المتفحصة)، ومع بزوغ شمس التطور والمعرفة يشهد العالم حاليًا ولادة تطور جديد وحديث أطلق عليه بالمدونات الشخصية أو البلوغرز وهي اختصار لعبارة مدونة إلكترونية حيث تعتبر واحدة من أهم روافد تبادل المعلومات والمعرفة والتواصل العابر للقارات والتعبير عن الرأي والرأي الآخر عبر شبكة الإنترنت العالمية التي أتاحت للكثير من الشرائح في العالم كله -وخصوصًا فئة الشباب- الحرية المعرفية والتعبير عن الرأي في مختلف المجالات التنموية والتي كانت قبل ذلك معرضة للقمع والحجب والغلق من قبل (مقص رقيب) في بعض الدول. وكشفت إحصائية أن المجتمع السعودي أصبح يشاهد ما يعادل 257 سنة من مقاطع الفيديو بشكل يومي، وذلك بفضل ما وفرته الشبكات العنكبوتية الإلكترونية، وأيضًا في ظل زيادة صناعة الأفلام المحلية التي تستخدم وسائل الإعلام الرقمية، كما فاق أعداد المدونات والمدونين عدد الكتب التي نشرت وسوف تنشر في العالم العربي حيث بلغ عدد مشتركي الجوال في السعودية إلى أكثر من 51 مليون مشترك، في الوقت الذي يتصاعد فيه عدد مشتركي شبكات النطاق العريض بمعدل 123% حيث وصل عدد مشتركي هذه الخدمة إلى قرابة 4.4 مليون مشترك، فيما بلغ مستخدمو الإنترنت في البلاد إلى قرابة 11.4 مليون مستخدم. وأخيرًا أشيد بوزارة الثقافة والإعلام لالتفاتتها الذكية وتنبؤها إلى مدى أهمية الثورة المعلوماتية الرقمية وذلك باحتضانها المنتدى العربي الثاني للإعلام الاجتماعي الرقمي بالرياض، ومن خلال ذلك نرى أن هذه الثورة باتت أحد أهم الوسائل الإعلامية في مختلف المجالات وتخدم أطياف المجتمع كافة، كما أصبحت عاملًا مؤثرًا في صناعة القرار، وأداة قوية في التأثير في الرأي وعنصرًا رئيسيًا في حملات التغيير التي يشهدها العالم والأمثلة على ذلك كثيرة! [email protected]